{ قبل (3) سنوات و(3) شهور، وبالضبط في نوفمبرعام 2008 كتبتُ مقالاً في (شهادتي لله) بالعنوان أعلاه، مطالباً بعقد اتفاقية عسكرية وحلف سياسي ودبلوماسي مع جمهورية «روسيا» العظمى، ولكن لا حياة لمن تنادي في حكومات (الإنقاذ) المتعاقبة!! { روسيا وجهت دعوة للرئيس «البشير» في ذلك العام، لكن الرئيس لم يزرها، وزار دولاً أخرى عربية وأفريقية وآسيوية كثيرة، من بينها «الصين» و»إيران»!! { روسيا تستعيد اليوم دورها القيادي في العالم وتُسقط (بالفيتو) مشروع قرار إدانة سوريا في مجلس الأمن. وروسيا تهدد عبر مندوبها في المجلس بمحو دولة قطر من الوجود!! { لكن حكومتنا لا تقرأ.. ولا تفهم.. لا تسمع.. ولا ترى، ورغم ذلك يدعي البعض فيها احتكار الحكمة والمعرفة والعبقرية!! { رجاءً - أعزائي القراء - طالعوا المقال التالي، وانظروا كيف صدق تحليلنا، عندما كذبت توقعات (عباقرة) و(دكاترة) المؤتمر الوطني ورئاسة الجمهورية ومخابرات الفريق «صلاح قوش»!! { انفصل الجنوب، ولم تف أمريكا ودول الاتحاد الأوربي بوعودها، ولم نعقد اتفاقيات مع روسيا إلاّ في مجال استكشاف النفط والغاز (الأسبوع الماضي فبراير 2012)، خلال زيارة نائب وزير الخارجية الروسي للخرطوم، وبعد (خراب ماطا)!! { في ما يلي مقال نهاية العام 2008، فتأملوا، وتمحنوا: { فاز «باراك حسين أوباما» بمقعد رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية لأربع سنوات قادمة، واستبشر بفوزه الجميع، الأفارقة قبل الأمريكان، والعرب قبل الإسرائيليين، والآسيويون، والكاريبيون، وزغرد له الأوربيون، وصفقنا له نحن في السودان، ورقصت أقلامنا على أنغام فوزه الكاسح على «ماكين».. ولكن هل ننتظر من «أوباما» أن يفعل الكثير لنجدتنا من غطرسات وحماقات صقور المحافظين في قبيلة «الجمهوريين»؟! { نعم.. صفقنا للسيناتور «أوباما»، أولاً لأنه نموذج للنجاح.. للتحدي.. لتجاوز المستحيلات وعبور الحواجز، وثانياً لأن التجربة في مجملها كانت مثيرة للعجب، بلوحتها الديمقراطية الزاهية، وقوانين لعبتها السياسية وأعرافها المنضبطة.. غير أن حسابات الواقع، ومعادلات توازن القوى داخل (التركيبة) التي ستحكم الولاياتالمتحدة ابتداءً من العشرين من شهر يناير القادم (2009 ) تؤكد أن (التغيير) لن يكون كبيراً، رغم أن كلمة (التغيير) كانت شعار الحملة الإنتخابية للسيد أوباما.. { بالنسبة لنا في السودان، يجب أن نعلم أن هناك (متطرفين) بين رموز المجموعة الحاكمة، على رأسهم نائب الرئيس «جوزيف بايدن» و«سوزان رايس» التي ربما تصبح مستشارة الرئيس للأمن القومي، وكلاهما له آراء معادية لحكومة السودان. فالسيد «بايدن» دعا خلال مناظرة مع مرشحة الحزب الجمهوري لمنصب نائب الرئيس «سارة بالين» ، دعا إلى فرض (حظر جوي) في إقليم دارفور وقال: (لا أحتمل أن أرى الإبادة الجماعية في دارفور)..!! أما السيدة «رايس»، فتختلف عن الدكتورة «كونداليز رايس»، فالأخيرة أكثر هدوءاً، وعقلانية، بينما سجّل التاريخ للأولى مواقف مشهودة ضد «الخرطوم» إبان فترتي حكم الرئيس الأسبق «بيل كلينتون». { إذن، ينبغي أن تشرع حكومة السودان عاجلاً في وضع إستراتيجية مختلفة عن سابقتها للتعامل مع الإدارة الأمريكيةالجديدة دون كبير أمل في تعاطف محتمل من قبل إدارة «أوباما» تجاه السودان في حال استمر الوضع في دارفور على ما هو عليه. ولابد أن تستوعب حكومتنا دروس المرحلة السابقة التي قدم فيها السودان الكثير من التنازلات والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب دون أن يسعد بحوافز ذات قيمة وأثر في دعم الإستقرار والسلام في البلاد. { صحيح أن إدارة بوش ساعدت السودان في الوصول إلى إتفاقية السلام الشامل في الجنوب.. ولكن هل كانت الاتفاقية غاية في حد ذاتها.. أم أنها وسيلة لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية في كل أنحاء السودان؟! إذا كانت الإتفاقية وسيلة، فإن الاستقرار والتنمية لم يتحققا بعد، كما أن «واشنطن» التي دعمت السلام في الجنوب، هي نفسها التي دعمت استمرار الحرب في دارفور، من خلال مجموعات الضغط الصهيونية الناشطة في الولاياتالمتحدة، وصديقاتها بريطانيا، فرنسا، وألمانيا. { وإذا أرادت «الخرطوم» أن تطبّع علاقاتها مع «واشنطن» فلابد أن تبحث عن وسائل لممارسة ضغوط على الطرف الآخر، حتى يشعر بأن في جعبة حكومتنا خيارات وبدائل أخرى. وفي هذا السياق، فإن الاتجاه شرقاً هو أحد الخيارات الفاعلة والمؤثرة في إطار صراع القوى الذي تجدد - مرة أخرى - بين روسيا وأمريكا. { وقد وجهت الرئاسة الروسية الدعوة للرئيس «البشير» لزيارة موسكو خلال زيارة نائب الرئيس الأستاذ علي عثمان محمد طه لمقر الأممالمتحدة في نيويورك الشهر الماضي، ولكن حتى الآن لا يبدو أن (مجموعة صناعة القرار) في الخرطوم متحمسة لهذا التوجه، بعد أن استسلمت لمسلسلات الابتزاز الغربية!! والغريب أن الزعيم الليبي «معمر القذافي» كان سباقاً لزيارة «موسكو» الأسبوع الماضي، رغم أنه لا يعاني - الآن - من مشكلات تذكر في علاقته مع الولاياتالمتحدة، فقبل أسابيع كانت السيدة «كونداليزا» ضيفة على خيمته العامرة. { إننا لا ندعو إلى زيارة الرئيس «البشير» إلى «موسكو» فحسب، بل ندعو إلى المضي قدماً - دون وجل - في توقيع اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع روسيا، لترتبط بمصالح استراتيجية مع السودان، ويومها ستهرول «واشنطن» لكسب ود «الخرطوم»، بدلاً من أن تهرول حكومتنا لها فتصفعها مرةً على الخد الأيمن، ومرةً على الأيسر. { الولاياتالمتحدة تملك (400) أربعمائة قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط ، ومثلها في آسيا، فما المانع أن تكون لروسيا قاعدة عسكرية في السودان؟! { سيحدثنا البعض عن مفهوم السيادة، غير أن هذا البعض كان يرحب بالقوات الأفريقية والأممية في دارفور، وكان يرحب بالقوات اليوغندية التي تطارد جيش الرب في الجنوب، وكان يرحب باحتلال طائرات الأممالمتحدة والمنظمات الأمريكية والأوربية لمطار الخرطوم.. والفاشر ونيالا...!! { السودان في أمس الحاجة الآن إلى توقيع اتفاقيات (دفاع مشترك) مع دولة عظمى لمواجهة (مستقبل التقسيم) المخيف. نوفمبر 2008