مرفوعة الأيادي تطرقع أصابعها أو تقيمها مستقيمة، تعلو هامات الرؤوس لتلحقها الحناجر بالكلمة المبسومة (أبشر يا عريس) ووقتها يكون العريس مشغولاً بذات البشرى في انتظار أن يتم الخير بالقران المبروك. ومباركة السودانيين لكل فعل أو طلب بالكلمة الجميلة أبشر، تطمئن والنفوس بأن الفعل القادم واجب الخير لا محالة. فحين السؤال عن أي شيء، (بدور أسألك عن كذا؟) فيرد عليه المسؤول - من سؤال وليس منصب - بقوله (أبشر). وبالخير لإجابة السؤال مهما كانت من بعد، الإجابة. فأحياناً كثيرة تكون بحقيقة الاعتذار المرّة لكن المباشرة بالكلمة الطيبة تسهّل عملية هضم العذر أو عدم الرّد الجميل! جميلة تفاصيل السلوك الحسن السوداني الأصيل. في الكلام وأدب الاعتذار وتقدمة الطلبات من الزواج وحتى (الشحدة). فتضوقون حلاوة تلك الجملة الشهيرة (متوسم فيك الخير) أو (مغروض فيك). فلا تملك مع سكرها المعقود على طرف أذنك من طرف لسان السائل سوى أن تجيب (أبشر) كمتلازمة سجعية واجبة. وهنا أيضاً يصبح الاحتيال حلو الكلام! والكلام في (أبشر) يطول تذوقه ولا تستوعبه هذه المساحة المباشرة من القلب. فالبشارة التي تستقبلنا بها الكلمة تجعل من الممكن أن تفعل بعدها ألف فعل يعتمد عليها. لهذا أصبحت الكلمة المعتمدة لمجاملة العريس. فهو الشخصية التي لها اعتبارها ووزنها النوعي في أوان عرسه. حالما يسمعها ترتفع يده بلا وعي لأعلى ليبشر لقائلها كرد جميل على الكلمة التي باشرها به. وعلى ذات المنوال يتم الفعل للفنان الذي لا يملك أيضاً سوى حق الرّد عليها بمثلها ولو كان يمسك بيده وردة (جهنمية) وبالأخرى المايكروفون! متفوقون نحن كشعب في الأفعال الجمعية التي لا يجدي إلا أن نقوم بها زرافات. من ضمنها هذه التبشيرة. نقوم جماعة لنبشّر للفنان الذي يكون وقتها منشغلاً بتذكر مقاطع الأغنية التي يرددها. وكذا للعريس الذي يكون منشغلاً بألف مقطع يردده ونفسه (الحفلة.. العزومة.. المعازيم.. الكوافير.. عشا الفنانين...الخ)! وهناك التبشيرة المضاف إليه مجرور على الضيوف والحاضرين لحفل تبشيرة الفنان! حتى ولو كان حفلاً عاماً! وتفوقنا الجمعي هذا مقترن في الأحزان - الواجبة مهما حاولنا القول لا قدر الله - فالفاتحة كذلك نرفعها لا إرادياً جماعياً وجلسات ونسات صيوان العزاء الخ... وفي أوان حوداث المرور أو التجمعات والتظاهرات - لا قدر الله فعلاً - أو حوادث القتل تجدنا متجمعين لا نفعل سوى عرقلة سير العدالة بالازدحام غير الموفق، وحين اصطدامنا بسؤال (يا خ داير أسأل الحاصل شنو؟) تجدنا (أبشر)! والأستاذ دائم الهدوء والترفق (أبشر الماحي الصائم) - متفاخرة أقول زميلي، فالأهرام لاحقت الكتوف بالكتابة! لكنها زادت معروف المعرفة والتفاخر - فالأستاذ (أبّشر) له حظٌ وفير من البشارة في اسمه. فتجده يبشّر لك بابتسامة ترتفع من مقام الصدقة لتكون في ميزان الحسنات فتألفه لا محالة وإن لم تكن تعرفه! وكما يشاع أن لكل منا نصيب من اسمه إن كان قليلاً أو كثيراً! رغم أننا غير مسؤولين عن لحظة بشارة أبائنا بنا كمواليد واندلاقهم نحو التسمية تيمناً بجد أو صديق أو حبيبة قديمة! وقديماً قالوا إن هناك مسؤولاً في حكومة كلما سأله المواطنون عن الخدمات ردّ عليهم (أبشروا بالخير) فيتفاءلون ولا يجدونه، المسؤول والخدمات ولا الخير، ذاتو! نحن لا نسأل حكومتنا إنما نبشّرها بالخير.