د. يوسف صفي الدين - عيادة الأمراض الجلدية والتناسلية يُسمى أيضاً مرض هانسن, مرض زاراث. وهو مرض خمجي (التهابي) مزمن, ضعيف العدوى, تسببه جرثومة (المتفطرة الجذامية) وتحدث فيه هجمات اشتدادية حادة، ويعتبر هذا المرض أحد كوارث الإنسانية لأنه يصحبه تأثير شديد (بتر الأطراف)، ويمكن شفاؤه بالمعالجة الباكرة. { تاريخ الجذام كان الجذام منتشرا في جميع أنحاء العالم منذ بدء التأريخ، ووجد في العصور القديمة استناداً الى الوثائق التاريخية المصرية والصينية، ولا يعرف إذا كان الجذام مذكورا في العهد القديم من الكتاب المقدس تحت اسم (زاراث) وهو مذكور في بعض روايات السنة النبوية. انتشر الجذام في أوربا الوسطى خلال حملة القوات الرومانية، وخاصة خلال الحملات الصليبية، وكانت تعرف عدواه في القرون الوسطى، ثم تراجع الداء بدءاً من القرن السادس عشر واقتصر على بعض البلدان في أوربا، مثل الدول الأوربية الجنوبية واسكندنافيا وبلاد البلطيق، لكن طرق الوقاية الحديثة والمعالجة أزالت هذا الداء من تلك البلاد. { انتشار المرض حول العالم عدد الاصابات في جيمع انحاء العالم يعد عدة عشرات ملايين حالة, ويحدث الجذام بشكل رئيس في المناطق الاستوائية ويحدث أيضا في المناطق الأبرد مثل النيبال وكوريا، ويوجد عدد كبير من الاصابات في الهند ووسط أفريقيا, ولا تتوفر معلومات عن وجوده في الصين، وهو نادر حدا في امريكا الشمالية ولكنه يحدث بنسبة اكبر في امريكا الجنوبية. { الجذام لا يورث ولا ينتقل الى الجنين، ويكون الأطفال مؤهبين للاصابة بالجذام, ويصيبهم عادة بشكل متساو عند الذكور والاناث، لكن بعد البلوغ يصاب الذكور بنسبة اكبر. { من الضروري تواجد عاملين لانتشار الجذام وهما: تأهب المريض للاصابة وتماسه مع حالات مفتوحة. { ويصيب الجذام الإنسان في جميع طبقات المجتمع، ولكن يصاب الفقراء الذين يعيشون في بيئة مزدحمة ووغير صحية بصورة أكبر، ويبدو أن خطر العدوى يكون قليلاً في الظروف الصحية الملائمة والتغذية الجيدة. { كيف يحدث؟ لم يعرف بالتأكيد كيفية انتقال المرض من شخص إلى آخر، وهو يحدث عادة خلال تماس طويل مع حالات مفتوحة، ولا ينتقل بالهواء، وتلعب الذباب والبق والبراغيث دوراً غير مباشر في نقل العدوى في المناطق المدارية، إذ أنها تحدث جروحا سطحية في الجلد وتقيحا ونقرحا مزمنا. { بعد فترة حضانة غير معروفة تتراوح بين (3) - (20) سنة, تظهر أعراض وعلامات باكرة ومختلفة لا تجبر المريض على مراجعة الطبيب، ويصنف الجذام حسب الموجودات السريرية والجرثومية والتشريحية المرضية والمناعية مع طيف من الاعراض السريرية والمناعية. عليه وللتبسيط الشديد يمكن أن نقول إن للجذام شكلين سريريين توجد بينهما انماط سريرية أخرى هي الجذام غير المحدد والجذام الحدودي (ثنائي الشكل). الجذام الجذمومي: هو الشكل الخبيث اللا أرجي (غير تحسسي) من العدوى، المترافق بمناعة ضعيفة لدى المريض, وهو سئ الانذار, ولا يميل نحو الشفاء العفوي, وتكون الآفات (الاصابات) الجلدية فيه غنية بالجراثيم وتحدث التظاهرات الجلدية بشكل متناظر وتتألف من بقع وحبوب مرتشحة وارتشاحات حمراء بنية أو بلون الجلد, أو عقيدات (عقد صغيرة) نحاسية اللون ويتساقط شغر الأجفان باكرا. الجذام الدرني: هو الجذام غير المعدي عادة, سليم نسبيا, ويتطور ببطء , دون اصابة مجموعية, وله ميل للتراجع العفوي مع تفاعلات دفاعية جيدة, ولذلك فهو ذو إنذار جيد. ولا تتواجد جراثيم الجذام في الجلد المصاب وان وجدت فهي قليلة. { تعتبر اصابة العصب جزءا مهما من الجذام وتحدث في جميع اشكال المرض، وتصاب الأعصاب المحيطية فقط ولا يصاب الجهاز العصبي المركزي، وتكون اصابة الأعصاب في الجذام الجذمومي أكثر تناظرا بينما تكون في الجذام الدرني غير متناظرة. تشمل تبدلات العصب: التخانة مع اضطرابات حسية حركية واغتذائية. ويجب جس الأعصاب المحيطية عند عند فحص المريض للتحري عن الجذام. { الآفات الجلدية قد تكون مفرطة الحس, ثم نقص الحس والخدر هي العلامات السريرية الأولى. تصاب المناطق الباردة والمحيطية أولا، وينتشر فقد الحس من من المحيط الى المركز, وتفقد قدرة التفريق بين الحار والبارد أولا ثم يفقد حس الألم وأخيرا حس اللمس وبخاصة حس الضغط، ويمكن أن يترافق التهاب العصب الجذامي في البدء بحكة غير محتملة, وخدر واضطرابات الافراز العرقي والآلآم العصبية. الاضطرابات الحركية: ينجم عن اصابة الأعصاب ضمور عضلات متعددة والعلامة الباكرة هي ضعف عضلي أثناء المشي, أوعند حمل بعض الأشياء الصغيرة. الاضطرابات الاغتذائية: ينجم عن أمراض الأعصاب المحركة الوعائية اضطرابات اغتذائية كثيرة, ويكون الجلد في البدء جافاً وضامراً ومتقشراً، ويمكن أن تجدع (تبتر) الاصابع بشكل كامل تاركة بقايا جدهية (قطعية) ويؤدي ضمور الجسر في عظم الفك الى تخلخل وفقدان القواطع وهي صفة وصفية هامة، كما يؤدي ضمور عظمة الأنف الى حدوث الأنف السرجي الجذامي. { التبدلات الجذامية الأخرى الأغشية المخاطية: يصاب الغشاء المخاطي للأنف بكثرة في الجذام الجذمومي, ومن العلامات التي توحي بالجذام بشدة الرعاف المزمن, النزلة الأنفية المزمنة. يحدث انثقاب الحاجز الأنفي غير المؤلم, وتكون المفرزات الأنفية غنية بالجراثيم وهي مصدر رئيس للعدوى في الجذام المفتوح. العيون: يؤدي الجذام الجذمومي غير المعالج الى اضطرابات عينية مباشرة وذلك باصابة العصب التؤم الثلاثي والعصب الوجهي. ويعتبر التهاب الملتحمة الاحتقاني حول القرنية غير مؤلم, ويشكل حلقة حمراء برتقالية, كعلامة مميزة للمرض، كما يؤدي انتشار الأورام الجذامية الى اصابة الصلبة والقزحية (اللالئ القزحية), ويمكن أن ينتج ايضا العمى. الكبد والطحال: يصاب الكبد والطحال في 30% من حالات الجذام الجذمومي, ويحدث تشمع للكبد. الكليتان: تصاب الكليتان عند 75%, وتكون زيادة البولينا أكثر اسباب وفاة المجذومين مشاهدة. الغدد التناسلية: يحدث في الجذام الجذمومي التهاب بربخ مؤلم في كلى الخصيتين, كما يحدث التهاب خصية مع تليف الخصيتين ويحدث عقم وعنة، وتضخم ثديين لدى الرجال, كما أن تساقط شعر الحواجب يعطي الرجل المريض مظهرا انثويا، ولكن في المرأة نادرا ما يصاب المبيضان. العقد اللمفية: كثيرا ما تكون الغدد اللمفية متورمة ولكن غير مؤلمة. ملحقات الجلد: يتساقط شعر الحاجبين والذقن والرأس بما يشبه الثعلبة, وهي من العلامات الباكرة والمهمة في الاصابة بالجذام، ويتوقف نموالأظافر ويغيب التعرق في الأماكن الخدرة. { سير المرض يموت المرضى بعد 10 - 15 سنة عند تطور المرض، ويكون سير المرض أفضل في الجذام الدرني لأنه لا يصيب الأعضاء بشكل جوهري, ولكن الاصابة العصبية تحدد ذلك. { التشخيص في حال الشك بالجذام تكون القصة المرضية ومكان الاقامة في مناطق استيطان الجذام أمران هامان للتشخيص.ومن المهم اجراء اختبار حس الألم والحرارة واللمس في تشخيص الجذام. الاختبارات المخبرية: اختبار الهستامين.. الاختبار العرقي.. اللطاخة النسيجية.. الخزعة الجلدية.. خزعة العصب.. تفاعل الليبرومين.. التحريات العصبية.. والتحريات الكيميائية الحيوية. { الوقاية من الجذام أهم خطوات الوقاية هي تسجيل المرضى المجذومين ومعالجة جميع المرضى المعروفين والمتابعة الدورية للاشخاص الموجودين بتماس المرضى, والمعالجية الوقائية للذين يكون اختبار الليبرومين لديهم سلبيا رغم انهم بتماس مع المرضى. { العلاج تشمل المعالجة التدابير العامة والمعالجة الدوائية، ولذلك يتضمن البرنامج الطبي تحسين العناية الصحية والظروف المعيشية وتأمين التغذية والمداواة والنظافة الشخصية المناسبة. { الأدوية - (السلفونات) أكثر الأدوية استعمالا لمعالجة الجذام في الوقت الحاضر وعقار الدابسون هوالعلاج المنتخب. وهناك (الريفامبيسين) والكلوفازيمين (لامبيرين). ولضمان عدم حدوث مقاومة لاي من هذه الأدوية الثلاثة يتم استخدامها معا في علاج الجذام .وتقوم منظمة الصحة العالمية منذ العا م 1995 بتوزيع العلاج متعدد الأدوية مجانا في كل البلدان التي يتوطنها الجذام.