بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    بعد حضور والده من المملكة.. جثمان التيك توكر السوداني جوان الخطيب يوارى الثرى بمقابر أكتوبر بالقاهرة ونجوم السوشيال ميديا يناشدون الجميع بحضور مراسم الدفن لمساندة والده    شاهد بالفيديو.. الفنانة رؤى محمد نعيم تعلن فسخ خطوبتها من شيخ الطريقة (ما عندي خطيب ولا مرتبطة بي أي زول)    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    تنويه هام من السفارة السودانية في القاهرة اليوم للمقيمين بمصر    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس قطاع الفكر والثقافة ب (الوطني) د. أمين حسن عمر في حوار الفكر والصراحة (1):

نهاية الشهر الماضي أعلن المؤتمر الوطني حزمة من التعديلات الهيكيلة في أعقاب حمى المذكرات (الشبابية) التي سرت داخل مؤسساته وخارجها كما تسري النار في الهشيم، للدرجة التي لم يعد يُعرف معها شيء عن حقيقة المذكرة – أو المذكرات – ناهيك عن معديها، وإن كانت تهدف لمراجعة الأداء أم تدارك التراجع، طبقا لإفادات بعض الإسلاميين. إلا أن التعديلات قفزت بمجموعة مقدرة من الشباب إلى أمانات الحزب بعد ما يقارب ربع قرن من سيطرة أسماء بعينها على المناصب الدستورية والحزبية على حد سواء، وقبل أن يباشر الشباب مهامهم الجديدة بدوا وكأنهم يتطلعون لإزاحة القدامى من ما تبقى لهم من مناصب برؤى سياسية وفكرية مغايرة، جددت الخلاف المستتر بين الإسلاميين (الحركة الإسلامية) وحزبهم (المؤتمر الوطني) الذي صنعوه ذات يوم لأهداف يرى بعضهم أنها زالت، ويرى آخرون أنها باقية ما بقيت الحركة. وإن كانت ثمة ملاحظة جديرة بالانتباه فهي ترفيع أمانة الفكر والثقافة إلى قطاع متعدد الأمانات أسندت رئاسته إلى واحد من أكثر كوادر الإسلاميين مناصرة لفكرة التغيير – وبالطبع كما يراه هو – فضلا عن كون أن المفردة كانت ولا تزال تلازم اسمه أينما نطق. (الأهرام اليوم) جلست إلى د. أمين حسن عمر لتشخيص واقع الحزب والحركة وما بينهما، فجاءت إفاداته على النحو التالي:
{ د. أمين، ذكر مؤخرا أن التعديلات الهيكيلة التي تمت في الحزب جاءت في سياقها الطبيعي، لكن يبقى السؤال قائما عن ما إذا استصحبت المذكرات الداخلية والدعوات إلى التغيير؟
- طبعا لا يمكن أن تستصحب آراء المجموعات والأفراد لأنه ليس هناك دلالة على أنها تمثل رأيا غالبا، وإن كان الناس أحرارا في التعبير عن رأيهم إلا أن المؤسسات هي التي تحكم والورقة التي أجيزت في المؤتمر سبقتها حوارات بآراء متعددة جاء بعضها في المذكرات، والمؤتمر كون خمس لجان للدراسة وأعد بعد ذلك تصورا للخيارات المختلفة نظر فيها المكتب القيادي ومن ثم كلف لجنة لصياغة ورقة عامة للمراجعة والإصلاح العام في الحزب، أجازها مجلس الشورى والمؤتمر، وأصبحت ملزمة الآن، وما ورد في الورقة هو الملزم والآراء الأخرى ليس هناك ما يمنع أحدا عن الحديث عن رأيه وبإمكانه أن يعمل عبر المؤسسات لكي يؤخذ برأيه والأمر يعبر عن حرية السجال الفكري داخل المؤتمر ولكنه لا يلزم المؤسسات.
{ هناك تحليل يفضي إلى أن أمينا اختير لمنصبه الجديد لأنه من رواد التغيير، ويدللون بما ذكره عدد من أصحاب المذكرة بأنهم ناقشوك في الأمر وأنت من أقنعتهم بالعزوف عن تأسيس حزب جديد...
- مقاطعة: هذا ليس صحيحا، أنا التقيت بعدد من الناقدين أو من قدموا مذكرات ولكن لم يتحدث أحد منهم قط عن الانشقاق أو تأسيس حزب جديد بل كانوا حريصين على تأكيد أنهم لا يريدون الانشقاق وأن هذا حزبهم وهم أحق به مثلما أي شخص آخر أحق به، وهذا الحديث غير صحيح، وهو مؤامرات أحزاب أخرى أو تفلتات أفراد لا يمثلون شيئا في حزب عضويته بالملايين، والمؤتمر الوطني ليس معتقلا سياسيا أو عقيدة دينية حتى يعتبر الخارج منه كفر كفرا صراحا وإذا كان هناك أناس ينضمون إليه هناك آخرون يخرجون منه وهذا طبيعي ولا ننكره.
{ هل لأمين رؤية واضحة لمنصبه الجديد إزاء ما يصفه مراقبون بالتراجع الفكري في المؤتمر الوطني؟
- أنا لا أعنتقد أن هناك تراجعا فكريا، بل تراجع في النشاط الفكري وهناك فرق بين الاثنين وأعتقد أن هناك وعيا بأهمية تنشيط الدور الثقافي والاجتماعي للحزب، وعادة عندما يكون هناك حزب حاكم وتحديات متعلقة بظرف حرج يقع التركيز على القضايا الاقتصادية والسياسية ولا يكون هناك تركيز على القضايا الفكرية والثقافية والاجتماعية، واتساع قاعدة الحزب تقتضي مخاطبة القطاعات الشابة الكبيرة التي دخلت الحزب واكتشفت قدراتها في تطوير فكر الحزب نفسه وحركة الفكر بصورة عامة في البلاد.
وعادة الجانب الفكري والثقافي يكون في حالة مسايرة ومواكبة للنشاط السياسي حتى إذا كان نشطا، وغالبا ينشأ من خلال مؤسسات رديفة أو نظيرة لحركة الحزب أو موالية، وأعتقد أن هذا جيد وينبغي أن لا تكون الحركة الفكرية جزءا لا يتجزأ من الحزب، والحزب ينبغي أن تكون له آلية ترعى الحركة الفكرية وتنشط الاتجهات الموالية للفكرة لا أن يعتقل الحزب الحركة الفكرية داخله لأن الفكر يقتضي دائما قدرا كبيرا من التجرد، والتحزب فكرة ليست متسقة تماما مع فكرة التجرد.
وعموما حتى إذا خرجنا من الإطار السوداني ونظرنا لاهتمامات الأحزاب بالفكر والثقافة في الإطار العربي والأفريقي سنجد المؤتمر الوطني متميزا بالقياس إلى هذه الأحزاب، ولكن هذا ليس أنموذجا لنا لأننا نعتقد أن الفعل الحزبي ينبغي أن لا يكون فقط آلة للوصول إلى السطة أو ممارستها، بل واحدا من وسائل تغيير المجتمع نحو الأفضل بموجهات فكرية وحوار فكري متصل حول الخيارات والتوجهات والمذاهب والمباني.
{ بالاستناد إلى قولك إن الفعل الحزبي ينبغي أن لا يكون فقط آلة للوصول إلى السطة أو ممارستها، هناك من يؤرخون لما سميته أنت بالتراجع في النشاط الفكري بوصول الإسلاميين إلى السلطة في يونيو 1989؟
- هذا ليس صحيحا، لأن النشاط الفكري للحركة الإسلامية الآن أكبر من نشاطها قبل الإنقاذ طوال الثمانينيات والسبعينيات ونحن لا نتحدث بالمقارنة لأننا إذا تحدثنا بها الوضع الآن أفضل، ولكن هذه المقارنة ليست صحيحة لأن عضوية الحركة في السبعينيات والثمانينيات كانت قليلة.
{ ولكن تأثيرها كان أكبر؟
- المقارنة بأن الإنتاج الفكري الآن أقل هذا غير صحيح، الآن أكبر ولكنه لا يتواءم مع النمو الذي شهدته الحركة الإسلامية، صحيح أنه كان هناك رضا أكثر في دوائر الحركة الإسلامية ونحن لم نقل إنه ليست هناك مشكلة، ولكن القول إنه بمجرد إعلان البيان رقم واحد بدأ التراجع هذا غير صحيح، والبعض عندهم نتائج يريدون التوصل إليها لذا يضعون النتيجة ثم يبحثون عن المبررات، ونحن نقر بأن هناك قصورا في الحركة الفكرية وهذا لا يعني بالضرورة تراجعا بل يعني أنك لا تبلغ المطلوب لتحقيق الرضا وهذا ينطبق على الجميع، ولكن نحن لا يعنينا الآخرون عندما نأتي لمحاسبة النفس عن قصور غير مبرر لأن الحركة تضم مئات الآلاف من المتعلمين والمثقفين وعشرات الآلاف من الموهوبين، وأنا أعتقد أن التعبئة الفكرية والثقافية فيها مشكلة نرجو أن لا تستمر في الفترة المقبلة.
{ الحديث عن التغيير الآن يتلبسه نوع من التعميم السلبي، أهو على صعيد النظرية أم التطبيق أم كليهما؟
- أولا أنا لا أؤمن بشيء اسمه نظرية في الحياة الاجتماعية والسياسية إلا إذا كنت تتحدث عن الماركسية التي ثبت خطلها، ليست هناك نظريات، هناك مبادئ فكرية وموجهات، وبالنسبة لنا كمسلمين نحن نؤمن بالثقافة أكثر مما نؤمن بالأيديولوجيا لأنها ادعاء بأن هناك فكرة معينة صائبة مائة بالمائة وهذا خطأ، نحن نتعلم من ديننا أن نجتهد، أي محاولة الوصول إلى الصواب، والفكرة دائما قائمة على أن هناك احتمالا للخطأ والصواب، أما النظرية من الناحية العلمية فهي افتراضات إذا أجريت تجارب كثيرة أثبتت صحتها وتحولت إلى نظرية، ونظرية تدعي أنها في الظروف المرجعية التي أجريت فيها التجارب هي ستنطبق من بعد ذلك إلى يوم القيامة في كل حالة، هذه هي النظرية العلمية، والماركسية ادعت هذا وسمت نفسها الاشتراكية العلمية، بمعنى أن لها نظرية ستنطبق إلى يوم القيامة على تفسير الظاهرة الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما ثبت خطله، الآن حتى الماركسيون أصبحوا يستحون من التحدث عن هذا.
وبالطبع في مسألة التغيير هناك مدارس حذرة تريد أن تتوقف حتى تنظر كل ركن وكل الزاويا حتى تتقدم وهذه لن تتقدم إلا ببطء شديد أو ستتجمد من الخوف أو الحنين للماضي أو غيره، وهناك مدارس تسرع الخطى وأحيانا تصدم حجرا لأنها لا تتبصر جيدا في حركتها السريعة، وهناك مدارس بين بين، تتحرك بثقة ولا تقبل أن تتعطل بسبب الحذر الزائد وهذه مثل مسالك الناس في الحياة ولا يمكن أن يكون هناك تقدم دون قبول فكرة الخطأ.
{ هناك حديث عن تمدد للسلفيين على حساب الحركة الإسلامية، ما حقيقة أن يكون مرده ما ذكرت من قصور؟
- ليست هناك حسابات أو رصيد بنكي يسحب منه الطرف الآخر، وليس صحيحا أن الحركة السلفية تتقدم على حساب الحركة الإسلامية، والحركة السلفية نفسها لا يمكن فرزها بسهولة من الحركة الإسلامية ولهما مشتركات كثيرة بالفكر، وهناك سلفيون داخل الحركة الإسلامية، وهي تؤثر في السلفيين لذلك توجد تيارات مختلفة داخل السلفيين، لذلك لا يمكن الفصل الحاد، وهذا الأمر يصدر أيضا من تيارات صوفية فهناك تأثير كبير للتيارات الصوفية داخل الحركة الإسلامية وتأثير للحركة على التيارات الصوفية، صحيح أن السلفيين نشطوا وفي منابر تقليدية لم يكن تسمع فيها أصوات غير أصوات الإسلاميين، وأنا لا أحسد أحدا على نشاطه ولكن ينبغي أن ينشط الآخرون، والبعض يقول إن الحركة السلفية تنشط لأنها من وراء الحدود تأتيها موارد ودعم بالأفكار والكتب والأموال لذلك تتقدم، وأنا لا أرى عيبا أن يكون هناك تناصح فكري بين الجماعات الفكرية لأن هناك فرقا بين التناظر السياسي والتناظر الفكري وإلا ستموت حركة الفكر إن حولناها إلى حركة قطرية أي فكر سوداني وفكر مصري وفكر عراقي وفكر سوري وفكر إندونيسي، وطبيعة الفكر أنه لا يعرف الحدود وإذا نشأت حركة إسلامية في أمريكا تريد أن تمدنا بأفكارها ومبادراتها سنكون سعداء بهذا، وكذلك إن كانت تريد دعم فكرنا ونشرنا، وهذه ليست حجة كافية لتبرير نشاط السلفيين، فالسلفيون نشطون لأنهم نشطون والآخرون ينبغي أن ينشطوا وأن يقارعوهم الحجة بالحجة إن رأوا أن ما يطرحونه غير صائب، فقط على الحركة السلفية أن تعمل على نبذ التطرف والتشدد لأنهما سيؤديان إلى تفتيتها من الداخل، لأنه ما من تشدد إلا وهناك تشدد أكثر منه وما من تطرف إلا وهناك تطرف أكثر منه، وهناك تيارات رأيناها متطرفة رأتها تيارات من داخلها أنها كافرة إلى درجة الاعتداء عليها بالسلاح، والحركة الصوفية في السودان نفسها هي لم تنتظم في تنظيمات إنما في تيارات وطرق هي أيضا في الآونة الأخيرة شهدت اهتماما من مشائخها بالخطاب العام والنشر وصحيح أنه لا يرقى إلى مستوى نشاط السلفيين ولكنه ظاهر وبدأ يتحرك وينبغي أن يشجع وينبغي أن تشجع كل تيارات المجتمع على البروز في الساحة الفكرية، والفكر للفكر مثل المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى.
{ الشاهد أن نشاط السلفيين صاحبه كثير من ظواهر العنف؟
- هي ظواهر تشدد وتطرف وليست ظواهر فكر، هذه ظواهر انحراف سلوكي وانغلاق ذهني، ليس هذا دليلا على الانفتاح، والذي يتحدث علنا سيناقش علنا، والذي لا يتحدث سيتطرف بناء على قناعات دون مناقشتها وينبغي أن يكون الاتجاه السلفي هو أول من ينشط لمواجهة التطرف، وأنا أحمد لمشائخ مثل الشيخ عبد الحي نشاطهم ونشرهم لأفكار ضد الغلو والتشدد، وأنا لست ميالا لاعتماد هذه التصنيفات بصورة صارمة، أي أن السلفية ليست نقيضا للصوفية، فهناك صوفيون سلفيون ومحاولة بناء حائط بين الصوفية والسلفيين هي من باب التحزب الفكري ليس أكثر، وصحيح أن هناك تيارات صوفية لها رؤى أحيانا أقرب إلى الفكر الباطني، ولكنني لا أرى مثل هذه التيارات موجودة في السودان الآن، وكانت الحركة الجمهورية في وقت من الأوقات تمثل واحدة منها، وهناك طريقة أخرى لا أريد أن أسميها تعرفها كل الطرق الصوفية وتراها أنها باطنية وتعتزلها نوعا ما، وهي موجودة الآن في السودان لكنها ليست واسعة الانتشار ولا كبيرة الأثر.
{ هل يمكن أن تسميها لنا؟
- لا أسميها.
{ المؤتمر الوطني متهم بأنه في فترة معينة ولحسابات سياسية قرّب السلفيين؟
- ليس صحيحا لأن غالبية أعضاء المؤتمر الوطني أقرب إلى الصوفية من السلفيين، وليس في هذا شك، لأنهم أصلا جزء من هذا المجتمع ومعروف أن غالبيته من أهل التصوف، أما طريقة التفكير وتطوره وأخذ مناح تعتمد أكثر على الدليل من الكتاب والسنة أكثر من أقوال الشيوخ؛ هذا تطور طبيعي للفكر وهو ليس تطورا موجودا في الحركة الإسلامية وحدها، بل موجود في جماعات صوفية كثيرة وإن شئت اقرأي كتابات الشيخ حسن الفاتح، أو استمعي لكثير من مشائخ الصوفية الذين يتحدثون الآن، في الماضي كانت أقوال الشيوخ هي المرجعية حتى إنها أحيانا تحجب الكتاب والسنة لأنها تعتبر الدرج الذي يبلغك الكتاب والسنة، وهناك تطور كبير في الفكر الصوفي ولكن عندما تحدث خصومات فكرية وخصومات سياسية الفرقاء لا يبصرون هذه التطورات وهذا التطور حدث حتى في الحركة الحزبية في السودان، وصحيح أنها شهدت تراجعا وتفتت ولكن من ناحية التصورات والقناعات أعتقد أن كل الأحزاب تطورت في منهجها لتحسين الحياة في المجتمع أفضل مما كان في الماضي.
{ السلفيون اتهموا المؤتمر الوطني مؤخرا وبما يشبه التهديد بأنه قرّب الصوفية؟
- نحن لسنا حكما بين الصوفية والسلفيين، ويمكن أن يكون قيادي كبير في المؤتمر الوطني صوفيا ولا يمكن أن نمنعه ما دام ملتزما معنا بأفكارنا ومبادئنا الأساسية ونحن لسنا وسطا بين الطرفيين نحن تيار ممتد، فينا صوفيون وفينا سلفيون وفينا مستقلون عن هؤلاء وهؤلاء.
{ هل لديكم خطة للتوفيق بين الطرفين؟
- هناك خطة وهي فاعلة وبدأت تؤتي أكلها من حوارات أهل القبلة والخطة الأساسية أن نجمع الناس في مجامع مشتركة وأن يديروا حوارا ذكيا وسلميا وأن يحترموا ويعذروا بعضهم في ما اختلفوا فيه، وهذا مشروع أصبحت له منشورات واجتماعات ولولا النكسة الأخيرة التي تسببت فيها جماعة غامضة لما بلغت الأمور هذا المبلغ والناس سيحاولون أن يستدركوا من خلال تنشيط مشروع أهل القبلة.
{ التسامح الموجود في إجاباتك يمكن أن يكون ناتجا عن تجمع السلفيين والصوفيين في الحركة الإسلامية، لكن ماذا عن غير المنتمين إليكم؟
- حتى هؤلاء يجتمعون الآن، وعلى مستوى القيادة لا أرى مشكلات كبيرة والأمر قابل للاحتواء والمعالجة لكن هناك تفلتات من أعضاء في بعض الجماعات وأحيانا من جماعات مشبوهة غير معلومة الدوافع، هل هي فعلا جماعات أصلية فكرها متشدد أم هي اختراق استخباري مثل ما حدث في أفغانستان؟ وأنا لا آبه دائما لنظريات المؤامرة ولكن أيضا عدم الإيمان بها لا يعني أنه ليس هناك مؤامرات استخبارية وهذا نشهده في كل يوم ويعترف به.
{ ألا يوجد طرح فكري مرن لاستقطاب المجموعات السلفية داخل الحركة الإسلامية؟
- هي أصلا موجودة.
{ موجودة كأفراد، ماذا عن تنظيمها؟ ففي بعض البلدان الحركات الإسلامية تنفي وجود السلفيين؟
- هناك فرق بين الاعتراف القانوني والاعتراف بالواقع الاجتماعي، لا تستطيع أن تمنع السلفية أو الصوفية بقانون كما يحدث في بعض البلدان، بعض البلدان تمنع الصوفية، وأخرى تمنع السلفية، وهذا لم يمنع وجودهما، في الواقع هذه الأمور تناقش بتنشيط حركة الفكر وتوسيع منابره ليس أكثر ولا أقل.
{ لا أقصد المنع بالقوانين، أقصد مقدرة الحركة الإسلامية على وضع إستراتيجية لتكون معادلا موضوعيا للحركات السلفية والمساحات المتمددة فيها، وهل هي أصلا مساحات فراغ خلفتها الحركة الإسلامية؟
- طرحك للحركة الإسلامية وكأنها تنظيم ماركسي وكتلة لها نظرية جامدة تريد أن تغزو بها، نحن نعتقد أن الحركة الإسلامية تيار فكري اجتماعي موجود متنوع حتى داخل الحركة في كثير من التوجهات والتقديرات، وصحيح أنه يتفق على المقاصد الكلية والمبادئ، وإذا حدثت نهضة ثقافية فكرية واسعة في المجتمع لن نجد حاجة لوجود حركة إسلامية (ليه نعمل حركة إسلامية)، لأن الحركة هي محاولة لتنشيط اتجاهات الفكر والأصالة في المجتمع، إذا نشطت هذه الاتجاهات ستتحول الحركة إلى مجرد مجموعة ضغط لمصلحة أشخاصها لأنه أية جماعة تستنفد أغراضها في تحقيق أهدافها واستمر وجودها سيبرر بأغراض أخرى، نحن نعتقد أن الحركة الإسلامية حركة تاريخية نشأت لأسباب تاريخية وستنتهي لأسباب تاريخية هي ليست جزءا من المؤسسات التي أقيمت لأن الدين أمر بأن تقام، والدين أمر بإقامة جماعة واحدة هي جماعة المسلمين، والجماعات الإسلامية هي جماعات مجتمع مدني قامت لتحقيق إصلاح فكري واجتماعي لتعيد للإسلام سيرته الأولى، إذا تحقق هذا ونرجو أن يتحقق بدرجة واسعة ستتحول هذه الحركات إلى أغراض إصلاحية جزئية فقط وليست كلية، وهذا بدأ الآن، ونرى حركة وعي بالإسلام واسعة جدا في المجتمعات مثل مصر وتركيا وسوريا، وكثير من السلفيين يقيسون انتشار الإسلام بزي المرأة، ففي سوريا أو مصر هل النساء الملتزمات ملتزمات لأنهن أخوات مسلمات أو كذا؟ لا، بل لأن هذا الاتجاه العام في المجتمع وهذا مؤشر واحد، فامتلاء المساجد بالشباب مؤشر ثان والتزام الناس بالخلق الحسن وانتفاء العبارة البذيئة من الأسماع في الأسواق كلها دلالة على أن المجتمع يتحرك نحو الأفضل وإذا بلغ المجتمع شأوا معينا من التحول نحو الأفضل لا تستطيع هذه الجماعات أن تقول نحن نريد قيادتكم إلى الخير، وأحيانا يكون المجتمع سبق هذه الجماعات نفسها إلى الخير وتركها في المؤخرة.
{ هذه قناعات أمين وآخرين في الحركة، ولكن هناك قيادات ترى غير ذلك وتريد خروج الحركة من السلطة والمراجعة بخلاف ما ذهبت؟
- هناك اتجاه شكلي عند البعض، يريدون مثلا أن نتحدث عن الإصلاح الإسلامي بنفس العبارات الموجودة في الكتب القديمة، وأحدهم قال لي لازم نكتب في الدستور أن السودان دولة إسلامية، فسألته لماذا نكتب، لماذا لا نعملها دولة إسلامية دون أن نكتب؟ قال لي واجب شرعي أن نكتب ذلك. قلت له الدستور نفسه ليس واجبا شرعيا. هذا مثل الانشغال بالأشكال وأنا لست ضد أن يكتب ذلك لكن في تقديري أية عبارة في الدستور تشعر أي مواطن بأنه معزول ينبغي أن لا تكتب لأنه بلد يتعايش فيه المسلم وغير المسلم ونحن سواد أعظم الآن نسبة 96% مسلمون نريد أن نحكم ديننا بما لا يضر بحقوق الآخرين وكرامتهم وبعض إخواننا ليست لديهم هذه الحساسية، يعتقدون أنه لا يهم الثلاثة في المائة إذا أحسوا بالعزلة أو مس وضعهم لكن هذا لا يشبه الإسلام ولو بقي في السودان شخص واحد غير مسلم لتوجب علينا أن نعامله بالبر والقسط وأن نعتبره أقلية واجبة الاحترام.
{ المشكلة ليست في تحكيم الدين، ولكن في محاولة البعض تحكيم رؤيتهم ومفهومهم للدين؟
- كل إنسان يريد تطبيق فهمه للدين، فقط ينبغي أن لا يجبر الآخرين باستخدام العنف والوسائل غير الشرعية، وممكن تستخدم العنف الشرعي بمعنى العنف الذي قبله المجتمع وشرعه في تشريعات وحوله إلى قانون أي من يفعل كذا سيفعل به كذا، وهذا عنف شرعي مقنن بالقانون، ولا يحق لأحد أن يفرض سيادة رأيه فوق سيادة القانون مهما كان، سواء أكان في السلطة أم لا، والبعض يريدون إعادة صياغة الدنيا كما يرونها أو كما يتخيلونها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.