{ حكاية الإمام الذي رفض وجود الفنان الشاب «فرفور» في الصفوف الأمامية وما أحدثته من تفاعل كثيف يكشف وسطية أهل السودان ورفضهم للتطرف وللغلو في الدين، وأن هذا البلد بما أنعم الله عليه لن يجد التطرف موطئ قدم في يوم من الأيام لاسيما وأن الوسطية في السودان فطرة أضاف إليها الحراك الاجتماعي وعمّقها وصارت ديدن المتخاصمين والمتحاربين والعالم من حولنا يدهشه السلام الحميم حين يجمع بين سودانيين متحاربيين وحتى خصوماتنا نجدها تنهار فجأة ودون أن يتدخل فيها المصلحون، هكذا من تلقاء أنفسنا نندفع متعانقين وسط موجة من البكاء والدموع والمشاعر السودانية الخالصة فينتهي عهد التخاصم ونعود أفضل مما كانت عليه علائقنا قبل الخصام. { هذه الفطرة السودانية المتسامحة تصيبها في بعض الأحيان تصرفاتنا حين تخرج على النص الاجتماعي الخالد فيندفع الإمام بطبائع يستجلبها من خارج أسوار الحياة الاجتماعية السودانية فيتصرف تصرفاً ليس من عادة أهل السودان وليس من الدين كما قال الإمام الصادق المهدي، وبدلاً من أن يحتفي بمغنٍ وجده في الصف الأمامي لعل الله قد هداه نجده يرجعه، وقبل أن نستطرد في المقالة نتساءل كيف عرف الإمام أن هذا الشخص المتواجد بالصف الأمامي هو الفنان فرفور!!؟؟ { والأسئلة التي تحمل السؤال الرئيسي تجعلنا نتساءل هل رآه في حفل من الحفلات أم شاهده في التلفاز أم في الصحف الفنية والاجتماعية؟ والإجابة تجعلنا نوقن أن الإمام تربطه بفرفور لحظة ما لا نعلم تحديدًا هل هي لحظة فنية أم اجتماعية، وللأسف يرفضه في لحظة دينية. { الرسول صلى الله عليه وسلم حين يدرك أعرابياً يتبول داخل المسجد ويهم صحابته - رضوان الله عليهم - بالتصدي له يمنعهم حتى يكمل الرجل تبوله ومن ثم يأمره بصب الماء على مكان البول، والأعرابي يراقب كل ذلك وأخيرًا يبصّره بالطريقة المثلى وكفى. كل ذلك يحدث داخل المسجد أمام سيد البشر أجمعين صلى الله عليه وسلم. { في منطقتنا رجل يكتب الشعر الغنائي ويلحن ويغني ويحضر الحفلات الغنائية وهو محسوب على الوسط الفني وليس في مظهره ما يوحي بتدينه وتزمته وقد كان يؤم الناس في صلواتهم ويخطبهم وقد قدموه إماماً لهم لأنه يجيد القراءة، وفوق ذلك هو رجل يمسك عليه لسانه ويستر حاله كحال أي سوداني ود بلد. هذا الرجل مات ساجدًا في صلاة المغرب وهي لعمري حسن خاتمة لم يقفز بها المتنطعون ولا المحسوبون على الدين ولا الذين ينطبع علينا تدينهم ونحسبهم من الصالحين. { حكاية أخرى من إحدى القرى السودانية سردها لي صديق قديم التقيته قبل ساعة من كتابة هذه المقالة وفيها يقول إن والده - عليه رحمة الله - كان يحدثه عن رجل في قرية مجاورة لقريتهم كان أهل القرية يصنفونه بأنه «ما نافع» هذا الرجل في يوم من الأيام استدعى ابنه الكبير وقال له بالحرف الواحد «إنني سأموت بعد خمسة عشر يوماً وتعالى معي» الرجل اصطحب ابنه إلى مقابر القرية وسار به حتى وقف في نقطة ما في المقابر، وقال له: وصيتي أن تدفنوني هنا وستجدون قبرًا أحفروا لي بجواره. وبعد خمسة عشر يوماً مات الرجل والابن الأكبر يشير إلى الناس بمكان قبر أبيه حسب وصيته، وعند حفر القبر يجد الناس قبرًا لرجل مازال على هيئته وحتى الكفن كان ناصع البياض ومن نوع من القماش اسمه «ود قنجا» كان الناس في عشرينات القرن الماضي يكفنون به موتاهم فدفنوه بجوار من اختاره جواراً له في آخرته. { انطباعات الناس حتى لو كانت انطباعات من نحسبهم صالحين لن تستطيع كشف «حقيقة ابن آدم» وصلاحه من عدمه ولهذا ليس من المنطق محاكمة الناس بانطباعاتنا وما على الفرد إلا أن يحسن الظن في أخيه الإنسان حتى لو كنا نظنه نحن البشر أنه فاجر ناهيك عن رجل يأتي إلى المسجد ويعرف فضل الصف الأول ويتقدم إليه ويحرص عليه، ولو كنت أنا في مكان ذلك الإمام لرحبت به وانشرح قلبي لذلك وحرصت عليه في كل الصلوات ودعوت الله له بالهداية أو فقهته فيما هو فيه من حال، لعل كل ذلك يصب في صلاح البلاد والعباد.