(لعنة الله على الحرب)... هذا لسان حال مواطني ولاية جنوب كردفان المكتوين بنارها التي اشتعلت بضراوة في يوم (6/6) الساعة (6) مساءً من العام الماضي في العاصمة كادوقلي، وانسربت إلى أطراف الولاية كانسراب النار في الهشيم، وما زالت آثارها ظاهرة للعيان، وتجرع المواطن البسيط كأس مراراتها، وتبخرت أحلام (السلام) كألسنة دخان تصاعدت إلى علوٍ شاهق... الحرب المُدمرة خلفّت آثاراً إنسانية قاسية مما جعل المُنظمات الأجنبية تفتح آذانها لتكرار تجربتها في دارفور، الإيجابية والسلبية – على حد سواء- لكن الحكومة هذه المرة عقدت العزم على لسان الرئيس البشير ونوابه، وكافة أجهزة الدولة وغيرها بأن جنوب كردفان والنيل الأزرق ليست دارفور، ولسان حالهم يقول: (إن المؤمن لا يلدغ من جُحر مرتين)... هذا بالضبط ما لمسناه أمس (الاثنين) بمدنية كادوقلي ونحن نستمع إلى الأمين العام للمجلس الأعلى للحكم اللامركزي، رئيس لجنة الإسناد المركزية الأمين دفع الله، ووالي الولاية أحمد هارون، وزويرة الدولة بالإعلام سناء حمد العوض، بأن الدولة بكافة مؤسساتها قادرة على سد النقص الإنساني بالولاية، دون اللجوء إلى المُساعدات الخارجية. (1) وصلنا إلى العاصمة (كادوقلي) باكراً بدعوة من وزيرة الدولة بالإعلام الأستاذة سناء حمد العوض، للمشاركة ضمن الوفد المكوِّن للجنة (الإسناد) الاتحادية، وانخرط الوفد فوراً في النقاش وتولى الوالي أحمد هارون تقديم البرنامج وفي مقدمة حديثه أشار بروح تفاؤلية بأن (الغد) سيكون الأفضل، وأن هدفهم الأول استعادة الأمن والاستقرار والسلام في ربوع الولاية، ونوّه إلى أن حكومته تعيش ظروفاً صعبة وقاسية، بعد أن تجمعت كل الحركات المسلحة لدخول السودان عبر بوابة ولاية جنوب كردفان، لكنه أكد بأن التنوع والتعدد في الولاية سيكون مصدر قوة، وأن الشعب سيتجلى في أوقات الشدة والمصاعب والمِحن ويصنع المُعجزات في القريب العاجل. رئيس الفرقة (14) اللواء ركن بشير مكي الباهي بدوره كشف عن دحرهم لهجوم جديد على (هجليج) و(تلودي)، ونوّه إلى أن دولة السودان مستهدفة من قبل جارتها دولة جنوب السودان بعد احتضانها لقوات الجبهة الثورية، وأكد أن (الردع) للقوات المهاجمة تم بواسطة متحرك (الكرامة) رغم إصرارهم الاستيلاء على مدينة (تلودي)، مُبيناً أن كافة القوات جاهزة للدفاع عن الولاية بصفة خاصة، والسودان بصفة عامة، وأكد أن زيارة لجنة (الإسناد) المركزية تُعتبر دعماً معنوياً للقوات النظامية وأهل الولاية. (2) والي الولاية أحمد هارون دعا لتقييم المشكلة الإنسانية والعمل على تفاديها، وطرح رؤيته لتجاوز غلاء الأسعار، وأكد بأن مستشفياتهم ستعمل بكل طاقاتها، والسعي لتحضير الأراضي الأكثر أماناً لتحضيرها للزراعة، والتركيز على البرنامج الإسعافي للمياه. وفي مجال التعليم أكد استقرار الأوضاع وعلى رأسها تأمين مراكز الامتحانات، ما عدا تعثر جلوس (169) طالباً وطالبة في مادة الرياضيات في مركزين بمحلية (تلودي) نسبة لظروف الحرب، من جملة (500) طالب جلسوا لامتحانات الشهادة السودانية. من جهته قال وزير الري البروفيسور سيف إن وزارته تعتزم إنشاء (100) بئر مكتملة التشييد. وزيرة الإعلام سناء حمد قالت إن الشدائد بالولاية جعلتها في عقل وقلب السودانيين، واستشهدت بامرأة مسنة في مدينة (البرقيق) تستقي أخبارها من الراديو سألتها إبان زيارتها للولاية الشمالية في الفترة الماضية عن أحوال بلدة (الفيض أم عبد الله) بولاية جنوب كردفان، وكشفت الوزيرة عن متابعة وزارتها للأحداث منذ وقت مبكر، وأعلنت عن تجديد كامل لإذاعة كادوقلي لتكون الولاية حاضرة على مدار اليوم في أذهان السودانيين، وطالبت سناء بتفعيل الإعلام الجماهيري باستنفار كافة أهل الولاية لتوثيق الدمار والخراب للمنشآت والمصالح الحكومية والقتل والسحل للمواطنين، والحرق للمدن والقرى من قبل الحركات المسلحة وإرسالها إلى جهات الاختصاص ووسائل الإعلام المختلفة عبر الهاتف (الجوال)، وأشارت الوزيرة إلى أن المعركة في الولاية عسكرية، لكنها إعلامية من الدرجة الأولى، وقالت إن وزارتها تريد عكس الدمار والخراب للبنية التحتية للمواطن السوداني والعالم الخارجي، وأكدت أن استهداف الجيش الشعبي والحركات المسلحة الأخرى لمصادر التنمية يتنافى مع الشعارات المرفوعة عن التهميش والمهمشين، وأكدت أن الحكومة ستفتح المناطق المتأثرة للإعلام الداخلي والخارجي لمُشاهدة ورصد الفظائع المروعة التي ارتكبتها الحركات المسلحة بالولاية. (3) رئيس لجنة (الإسناد) الأمين دفع الله قال للصحافيين إن اللقاء مع حكومة الولاية والأجهزة التشريعية والتتنفيذية كان تشاورياً، استمعت فيه اللجنة إلى شرح من الوالي حول المستجدات الأمنية، ومتطلبات المرحلة المقبلة، مبيناً أن كافة الوزارات طرحت خطتها، وأن اللجنة استعرضت خطط الوزارات المكونة للجنة الإسناد، والدعم المقدم من هذه الوزارات، واستعراض مبادرة من أبناء ولاية كردفان الكبرى حول الإعلام، ومبادرة الإدارة الأهلية، ومبادرة الاتحاد العام للطلاب السودانيين، ومبادرات أخرى من الإدارة الأهلية، والهيئة البرلمانية لنواب جنوب كردفان. لافتاً إلى أن اللقاء تطرق إلى الاحتياجات الفعلية، وأن اللجنة قدمت دعماً إنسانياً تحرك إلى المناطق التي تأثرت بالحرب، على رأسها مناطق (الليري)، و(تلودي)، وقال إن الإغاثة وصلت كاملة من أهل السودان إلى تلك المناطق وهي حوالي (6) آلاف جوال ذرة، (1000) جوال عدس، و(1000) جركانة زيت، ومعينات أخرى يحتاجها المواطن في قضايا الإيواء والإغاثة، مبيناً أن الأمن أيضاً تحت السيطرة والعون الإنساني كذلك، وأن كل ما تحتاجه الولاية قدّمه أهل السودان سواء في الولايات المختلفة أو دعم وزارة المالية من المخزون الإستراتيجي، وأعلن أن الدعم سيكون كافياً ولا يحتاج السودان إلى العون الخارجي. من جهته أكد والي الولاية أحمد أن الإحساس بالدعم والإسناد والمؤازرة سيثبت الأقدام عند أرض المعركة، وتوفير الإحساس المهم بأنهم يدافعون عن الثغرة المهمة للسودان، واعتبر زيارة لجنة (الإسناد) المركزية دفعة معنوية كبيرة لحكومة الولاية، وأثنى الوالي على خطة اللجنة وعدّها إطار عمل جيد بعد دمجها مع خطط الولاية وإحالتها إلى عمل تنفيذي لتحقيق أعلى درجة من النجاح، وأشار إلى أن حكومته ستنفتح على كل مبادرة لاستعادة الأمن والسلام والاستقرار، مؤكداً أن الهدف من القتال توصيل رسالة إلى الحركات المسلحة بأن البندقية لن تقودها إلى تحقيق أهدافها السياسية، وقال إن الحرب تصطدم برغبة أهل الولاية في العيش بسلام، وقطع بأن تجيير أبناء الولاية لتحقيق أجندة أخرى لن يتطاول أمده، وعاقدون العزم للعمل بروح الفريق الواحد مهما تعددت مشاربهم السياسية والإثنية والثقافية، وأعلن أن الولاية ستحتفل برفع رايات السلام في سماء الولاية في المستقبل القريب، لكنه عاد وأكد بأن مدن هجليج وتلودي ستظلان عصيتان على الحركات المسلحة. (4) مجلس وزراء حكومة البرنامج الوطني المشترك بولاية جنوب كردفان في اجتماعه الأول أبدى إشادته بما بذلته وظلت تبذله القوات المسلحة والشرطة والأمن والدفاع الشعبي في سبيل بسط الأمن بالولاية وتأمين حياة المواطنين من الاعتداءات التي تقوم بها الحركات المسلحة في عدد من مناطق الولاية بدعم صريح من حكومة الجنوب وما تسمى بالجبهة الثورية. وأعلن المجلس في جلسته الأولى قبل يومين بتشكيلته الجديدة برئاسة مولانا أحمد هارون عن رفع مستوى الاستنفار الذي تعيشه الولاية منذ أحداث 6/6 من العام الماضي إلى مستوى أعلى دعماً للقوات المسلحة بالرجال، وتوفير الغذاء والكساء للعائدين من مواقع سيطرة التمرد الذي يحتجز الآلاف من المواطنين من النساء والأطفال منذ العام الماضي في ظروف مفرطة في القسوة في ظل انعدام الغذاء وتحت ظل التعذيب الذي تمارسة الحركة ضد المواطنين. واستمع المجلس إلى تنوير من قائد الفرقة (14) مشاة اللواء بشير مكي الباهي ومدير شرطة الولاية اللواء مقدم هبيلا أبو زيكو، ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني العقيد صديق، وذلك حول موقف تأمين الولاية، حيث أكد قائد الفرقة (14) استمرار القوات المسلحة في معركتها الصيفية وفق الخطة الموضوعة، وقريباً سيتم حسم التمرد وتدميره تماماً بعزيمة الرجال... أمس (الاثنين) باهى والي الولاية أحمد هارون بأوضاعهم التي يعيشونها في الولاية مقارنة بقادة التمرد وعدّهم هائمين على وجوههم ومطاردين ولا يستطيعون الادعاء بأنهم يملكون زمام المبادرة على الأرض، ونوّه إلى أن شخصه يؤمن بمثل دارفوري بسيط نصّه: (جراداية في الجلابية، ما مريحة، لكن قعادها ما حلو) وأنهم يريدون إزالة عدم (الحلا ده). (5) في نهاية الزيارة وقفنا على مستشفى المدينة المرجعي الذي سيحدث طفرة نوعية في العلاج لأبناء الولاية طبقاً للأنباء الواردة بشأنه، وسجلنا زيارة إلى المسجد الكبير الذي احترق أيام الحرب الأولى، وعرجنا على استاد كادوقلي الدولي، وختمنا زيارتنا بالميناء البري للمدينة. الوالي أحمد هارون قال إن حكومته ستستمر في التنمية باعتبارها الحل الناجع لمكافحة التمرد بالولاية، وأن التنمية مستمرة وأن تمت عرقلتها.