الحكومة طرحت مصانع النسيج للبيع والخصخصة للقطاع الخاص وأطلقت نداءات للدخول في الاستثمار في مجال إنتاج وتصنيع السكر كما جاء على لسان وزير الصناعة في ندوة آفاق الاستثمار في السودان ضمن فعاليات الاجتماعات السنوية السابعة والثلاثين لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية. هذه خطوة تعتبر مؤشرا إيجابيا لجذب رؤوس الأموال العربية والأجنبية وقد تجد هذه الدعوة استجابة مبدئية من المستثمرين العرب والأجانب للدفع بأموالهم إلى السودان ولكن هناك (معوقات، ومتاريس، وتلال مطلبية)، هذا الثالوث الخطير تفرضه الحكومة بواسطة مسؤوليها وموظفيها فتحرمنا من الاستفادة من الميزة النسبية التي نتمتع بها من موارد طبيعية. ذات مرة جمعتني الصدفة في القضارف أثناء مرافقتي لمجلس الصمغ العربي بأحد المستثمرين العرب ومعه مجموعة من صغار المسؤولين السودانيين فسألته عن أسباب قدومه إلى ولاية القضارف فأجاب: جئت للاستثمار ولكن من أكبر المعوقات عندكم السماسرة والمنتفعون ولقد قدمت لي طلبات لتمويل مشاريع استثمارية شحصية لمسؤولين وموظفين بموجبها يتم منحي مشاريع استثمارية. عزيزي القارئ هذا نموذج للفساد والمطامع الشخصية. في حين يجب اتخاذ تدابير فعلية تشجع من هو راغب في الاستثمار ولكن هل عملت الحكومة على خلق بيئة جاذبة للاستثمار؟ وهل طوعت القوانين الصلبة التي تقف أمام دخول رؤوس الأموال إلى البلاد؟ بحسب علمنا إن هروب المستثمرين ورجال الأعمال العرب والأجانب ناتج للمعوقات والعراقيل التي تضعها الحكومة بجانب السمسرة التي يمارسها الموظفون وبعض المسؤولين الذين يمسكون بالملف ومن المعروف أن رأس المال جبان يهرب متى ما كان الموقع طاردا ومنفرا يقود إلى خسائر وتمزيق المال، فلابد من بث روح الطمأنينة وطرد الهواجس والتردد في نفوس المستثمرين وتصحيح صورة البلاد في ظل الاستهداف الخارجي. ومن أهم المشكلات التي تواجه الاستثمار في السودان تتعلق بتوفر الأراضي الخالية من الموانع وتفعيل قانون استخدامات الأراضي وتنازع السلطات والصلاحيات بين الوزارة والولايات حولها والإجراءات البيروقراطية المتعلقة بتسهيل حركة رجال الأعمال المستثمرين ومشاكل الضرائب والرسوم الجمركية والجبايات المتنوعة في مستويات الحكم الثلاثة وهي أهم المعوقات للاستثمار بالسودان. وبالرغم من وجود قانون موحد اتحادي للاستثمار (قانون تشجيع الاستثمار لسنة 1999م المعدل لسنة 2007م) فإن هناك العديد من الوزارات والأجهزة الحكومية الاتحادية والولائية لها أيضاً سلطات وقوانين في الشأن الاستثماري وتستمد تلك السلطات من قوانين اتحادية وولائية الأمر الذي يهزم فكرة التعامل مع الاستثمار من خلال نافذة واحدة للحصول على الترخيص. تواجه معظم الاستثمارات مشاكل عدة في مرحلتي التشغيل والإنتاج مع الوزارات في تحديد احتياجاتها من الواردات (مع الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، والإدارة العامة للجمارك وإدارة النقد الأجنبي) في تمويل وارداتها في ظل تذبذب وتغيير سياسات هذه الجهات. يواجه السودان منافسة كبيرة في توطين الاستثمارات داخله بعد انضمامه لمنطقتي التجارة الحرة (الكوميسا) ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، بينما تشير تقديرات الاستثمارات الفعلية في القطاع الزراعي إلى (3%). ويعود ذلك للمعوقات العديدة التي تواجه الاستثمار في هذا القطاع ومن أهمها صعوبة إجراءات تخصيص واستلام الأراضى للاستثمارات الزراعية وتضارب الاختصاصات حولها بين سلطات الاستثمار الاتحادية الولائية