كثير من المتعلمين والمثقفين وقراء الصحف خاصة لا يعرفون الأستاذ محمد عبد الهادي علام، وتزداد الحيرة عندما نعرف أنه - أي الأستاذ علام - هو رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية التي كانت في ستينيات القرن الماضي تعد من أكبر عشر صحف في العالم، وهي جريدة عريقة بمعنى الكلمة تأسست في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وصدر أول أعدادها في 27 ديسمبر 1875م أي قبل أن ينطلق المهدي بثورته العظيمة من الجزيرة أبا. لقد كنا حتى وقت قريب نعرف أسماء كتاب الأهرام وفي مقدمتهم رئيس تحريرها وكنا نقرأ بشغف بالغ مقالاتهم وكان جيل آباء الاستقلال يقرأ الصحف والمجلات المصرية وكان بعضهم حتى من غير قادة ذلك الجيل يحفظون مقالات كتابها الكبار من أمثال العقاد وطه حسين والدكتور هيكل وتوفيق دياب ومحمد التابعي وفكري أباظة، وكان ذلك كله يدخل في الدور القيادي الذي كانت تلعبه مصر في عالمها العربي والإسلامي وفي قارتها الأفريقية. ولم يبدأ هذا الدور بعد ثورة يوليو 1952م وإنما قبل ذلك لكنه أخذ في التراجع بعد اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها مصر مع إسرايل عام 1978م وبعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي أبرمت عام 1979م في عهد الرئيس السادات. ومع وصول حسني مبارك للحكم في عام 1981م تكثف تراجع الدور المصري إلى أن وصل إلى منتهاه مع سقوط الرئيس مبارك بثورة 25 يناير 2011م وما زال التراجع قائماً وتعذر مصر لأن ثورتها لم تكتمل بعد وقد اطلق عليها بعض المصريين اسم الثورة الناقصة. وكان من تداعيات هذا التراجع أن كثيراً من المتعلمين والمثقفين وقراء الصحف ليس في السودان وحده وإنما في سائر أرجاء العالم العربي لا يعرفون أن رئيس تحرير الأهرام اسمه محمد عبد الهادي علام. ومن تداعياته وأشكاله أيضاً موقف مصر مما جرى ويجري في السودان وهو موقف باهت بكل المقاييس وكما قلنا فإننا نعذر مصر فقد كان حسني مبارك رئيساً باهتاً عاجزاً عن الارتفاع إلى مقام رئيس جمهورية مصر ثم إن الثورة المصرية التي عصفت به ما زالت تسعى للاكتمال. ولقد كانت مصر الحاكمة ومصر الكاتبة تتعامل مع ما يجري في السودان الذي كانت في الماضي تعتبره مصر الجنوبية وكأنه يجري في جمايكا أو السلفادور ونحن ندرك أن لمصر مصالح حيوية نيلية مع جمهورية الجنوب وأنها بعد أن قلصت دورها القومي صارت تميل إلى التزام الحياد في النزاع الدائر بيننا وبين جمهورية الجنوب لكن ذلك لا يستلزم التعامل مثلا مع احتلال الجيش الشعبي لهجليج بالمطالبة بضبط النفس وضرورة التفاوض بين الجانبين دون إدانة الجانب المعتدي. إن هذا الحياد السلبي بين دولتين اعتدت إحداهما على الأخرى لا يساعد في تحقيق سلام لكنه يجعل الطرف المعتدي يتمادى في اعتداءاته لكننا نثق أن مصر بعد أن تجتاز هذه الفترة الحرجة العصيبة سوف تعود إلى ممارسة دورها القيادي الرائد القديم أو بعضه