يحتفل أهل الصحافة اليوم (الخميس) الثالث من مايو، في مشارق الأرض ومغاربها، باليوم العالمي لحرية الصحافة، وسط أجواء تطورت فيها الصحافة كمهنة وصناعة وتقنيات، وتضاعفت مهامها، وعظمت رسالتها، وتشعبت اهتماماتها، واتسع نطاق تداولها في ظل ثورة الاتصالات، لكنها تراجعت في بلادنا وتموقعت وتقزمت بفعل عوامل متداخلة أبرزها ضيق هامش الحريات، وتراجع الاهتمام بالتدريب وتنمية الموارد البشرية إلى غيابه أحياناً، وارتفاع مدخلات صناعة الصحف، وتضاعف كلفة إنتاج الصحيفة، وبالتالي تراجع كمية المطبوع والموزع من الصحف مما ترتب عليه ازدياد أعداد العاطلين من الصحافيين، وغير ذلك من العوامل التي أقعدت الصحافة في بلادنا وحالت دون تطورها المنشود. ولا أود هنا أن أرسم صورة قاتمة للصحافة السودانية راهناً ومستقبلاً، لكنني وددت أن أضع الملح على الجرح، وعلى الرغم من ذلك نجد أن لصحافتنا وصحافيينا إشراقات والتماعات في تكنيك كتابة التقرير والخبر؛ ونحت الاستقصاء عبر بعض أفضل التحقيقات الصحفية هنا وهناك وهنالك، وهي تجارب لافتة جديرة بالإشادة والتقدير. غير أن ما يجب الإشارة إليه هنا، وفي هذا اليوم على وجه التحديد، والتوقف عنده، يتركز حول ضرورة إقرار مبدأ حرية امتلاك المعلومات وتداولها بالنسبة للصحافيين، وهو شرط لازم وملزم لحرية الصحافة التي تمثل ركيزة أساسية لحرية التعبير؛ إحدى أهم العناصر المؤسسة للحريات العامة وحقوق الإنسان، وما لم تكن المعلومات متاحة ومنسابة بسلاسة ومحمية قانوناً؛ فإن الصحافة ستكون عارية تتسكع في فضاء الأكاذيب، مما يشرع أبوابها للإضرار بالوطن ومواطنيه. ولتنزيل شعار احتفال العام الجاري باليوم العالمي لحرية الصحافة «أصوات جديدة: حرية الإعلام تساعد على تحويل المجتمعات» إلى أرض الواقع، لابد من إشاعة حرية تداول المعلومات وفتح المنافذ المغلقة وإشاعة ثقافة حرية التعبير، حتى يكون لصحافتنا سهمها المقدر في تحويل مجتمعنا السوداني إلى مراقي الديمقراطية والتعددية والحريات العامة. وتأتي احتفالات العام الجاري في ظل أجواء هي الأسوأ في تاريخ الصحافة في العالم، إذ قتل (10) صحافيين دون أن يتعرض الجناة للعقاب، وتظهر أبحاث لجنة حماية الصحافيين أن ما يقارب (90%) من حالات قتل الصحافيين في جميع أنحاء العالم تمضي دون أن يعاقب الجناة، وتتسم البلدان التي ترد في هذه القائمة ومن بينها (الفلبين، سريلانكا، باكستان، روسيا، والعراق)، بأن لديها أسوأ سجل في مجال فرض القانون عندما يتعلق الأمر بالعنف القاتل ضد الصحافيين