رؤى إبراهيم مصطفى لعل قضية (حرية الصحافة) تصدرت اهتمامات كثير من العاملين في بلاط صاحبة الجلالة بمختلف انتماءاتهم السياسية وخبراتهم المهنية، وأصبحت الحرية مطلبا مشروعا تنادي به وسائل الإعلام كلما وقفت عقبات أمام سير خط العمل الصحفي الذي يهدف أولا وأخيرا لتنوير المواطن وتثقيفه وتعريفه بحقوقه وواجباته وبما يدور من حوله، وفي ظل ثورة المعلومات وترقية التقنية الرقمية أصبحت حرية الحصول على المعلومات متاحة وضرورة يؤمن بها كل من حمل القلم محاولاً إلقاء حجر في بركة المستور والمسكوت عنه في دهاليز المجتع، السياسي منها والاقتصادي والاجتماعي. *قوانين متناقضة يقول الصحفي والمحلل د. فيصل محمد صالح إن أوضاع الصحافة السودانية ليست على ما يرام وبعيدة كل البعد عن المعايير العالمية التي اتفق عليها العالم لتوفير مفهوم حرية الصحافة. وأضاف صالح في حديثه ل(الأهرام اليوم): لدينا قيود كثيرة على حرية الصحافة السودانية والصحفيين، وبعض القوانين التي تحكم الصحافة قوانين بعيدة كل البعد عن المعايير العالمية لحقوق الإنسان ومتناقضة في ما بينها بما فيها (قانون الصحافة) وغيره من القوانين التي تحكم الصحافة، لاسيما أن هذه القوانين متناقضة مع الدستور الذي هو أفضل حالا لاحتوائه على الكثير من النصوص الجيدة في ما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات. وأبان فيصل أن "هناك ممارسات تقليدية تمارس تجاه الصحافة والصحفيين تتمثل في حجز الصحف ومصادرتها بدون صدور حكم محكمة، وتلك بالتأكيد ممارسات تقيد خارج إطار القانون"، وكشف عن مجموعة من التحديات الراهنة التي تواجه عمل الصحافة السودانية من أبرزها "الضغوط السياسية والاقتصادية، إلى جانب مشكلة حرية الحصول على المعلومات والحق في تداولها ونشرها وهذا يشكل عقبة وقيدا أمام الصحافة السودانية"، وأكد فيصل أن الصحافة السودانية بعيدة كل البعد عن الحريات المتاحة للإعلام في دول الجوار. *ترهيب وتضييق واعتبر الصحفي والمحلل عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة (التيار) أن الصحافة السودانية تعاني من عقبات وتحديات اقتصادية في المقام الأول، وتمر بظروف صعبة نسبة لارتفاع أسعار الورق وتكلفة الطباعة مما يشكل عبئا ضخما على جميع الصحف التي تعتمد على مواردها الذاتية، وأضاف: هذا التحدي لا علاج له إلا بتحسن نسبي في الاقتصاد السوداني وانخفاض سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني. وكشف ميرغني في حديثه ل(الأهرام اليوم) عن تحدّ مؤسسي داخل الصحف يحول دونما تحقيق الحريات ويتمثل في تحويل الصحافة التي تعمل وفق رؤية ومصالح ناشريها إلى صحافة تخدم الرأي والرأي الآخر بصورة مفتوحة. وقال إن تطوير الكوادر الصحفية من أبرز التحديات التي تجابه صحافتنا في السودان في ما يتعلق بالقدرات المهنية والشخصية والوضع المالي والأدبي. وطالب بضرورة تحسين الأوضاع المالية للصحفيين ومنحهم المزيد من الامتيازات والحرص على حقوقهم المعنوية والأدبية وأن يعاملوا معاملة سلطة رابعة حقيقية. وأوضح أن تعامل السلطة مع الصحافة سيؤثر كثيرا على مساحات الحريات سواء أكان (بالترهيب أو التضييق)، وكلها عوامل تؤدي إلى انحسار مساحات الحرية وتقليل أثر السلطة الرابعة في الدولة. *حرية مطلقة يمكن القول إن منظمة حقوق الإنسان اعتبرت حرية الصحافة السودانية قضية مهمة لا بد من التطرق إليها وذكرت عبر مواقع الإنترنت أن الحريات الصحفية في السودان تعاني من ممارسات الحجب والمصادرة مثلما حدث مؤخرا من مصادرة أعداد من جريدة (أجراس الحرية) وحبس عدد من الصحفيين، ولكن في المقابل أكد المقرر العام لمجلس الصحافة والمطبوعات ياسر المفتي ضرورة الالتزام بميثاق الشرف الصحفي لتحقيق الحريات المنشودة، وأضاف: يجب المحافظة على ما تحقق من حريات اكتسبتها الصحافة خلال السنوات الماضية. واعترف بوجود تقدم جيد في مجال الحريات الصحفية في السودان مقارنة بمحيطنا العربي والأفريقي، وأكد على عدم وجود ما يسمى ب(الحرية المطلقة) كما هو معلوم، وطالب المفتي في حديثه ل(الأهرام اليوم) بضرورة الالتزام ومراعاة الخطوط الحمراء التي تمس الأمن القومي بمفهومه الواسع وليس السياسي أو الحزبي. وأقر المفتي بوجود نوع من (التضييق) على الصحافة السودانية تقتضيه بعض الظروف التي تمر بها البلاد وهدفنا هو الرقابة (القبلية)، مؤكدا على أهمية الرقابة والأمانة الذاتية لدى الصحفيين وكتاب الأعمدة في طرح وتناول الموضوعات وعدم إدخال الأجندة في الأطروحات الصحفية، وأدان المهاترات غير الهادفة التي يتبادلها الصحفيون واعتبرها بمثابة تجاوز للحريات الممنوحة. وفي ما يتعلق بالجدل الكثيف الذي أثاره قانون الصحافة والمطبوعات للعام 2012 أكد ياسر المفتي أن اللجنة التشريعية للبرلمان شرعت في دراسة القانون استعدادا لإجازته، واستطرد: المجلس القومي للصحافة والمطبوعات من الجهات المعنية بتوفير الحريات الصحفية في مقابل الالتزام بمثياق الشرف الصحفي. ولكن د. عبد الطيف البوني لا يوافقه الرأي، حيث أكد أن المشكلة الحقيقية التي تعاني منها الصحافة السودانية هي عدم تطبيق القوانين بالشكل المطلوب، وقال في حديثه ل(الأهرام اليوم) إن القوانين الصحفية الحالية قادرة على أن تكفل الحريات المطلوبة للصحافة، وأقر بأن التدخلات الممارسة على قانون الصحافة هي السبب في تكبيل حريتها وهذا بدوره يفاقم المشكلة، وقال البوني إن من أبرز مظاهر تقييد الحريات هو إيقاف كتاب الأعمدة والصحفيين عن مزاولة العمل الصحفي، وطالب البوني في حديثه بضرورة تطبيق قانون الصحافة والمطبوعات على أكمل وجه موضحا أن قانون الصحافة قادر على توفير الحرية وحماية الصحفيين، مؤكدا على أهمية توفر الرقابة الذاتية من قبل الصحفيين وتوخي المصداقية والمهنية في كافة قوالب العمل الصحفي