تترقّب الساحة السياسية عودة المفاوضات بين دولتي السودان وجنوبه لإطفاء الحرائق التي نشبت على الحدود في الفترة الماضية. وحسب ما رشح فإن الآلية الأفريقية رفيعة المستوى حدَّدت السابع عشر من مايو الجاري موعداً لاستئناف المفاوضات بين الدولتين في أديس أبابا. وكانت صحيفة (السوداني) في عددها الصادر أمس (السبت) قد أوردت أن الآلية الأفريقية للوساطة بين دولتي السودان وجنوب السودان، حددَّت يوم (17) مايو الجاري موعدا لاستئناف المفاوضات بين الدولتين بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. لكن وكيل وزارة الخارجية رحمة الله محمد عثمان أبلغ (الأهرام اليوم) أن الحكومة لم تتلق أيّة إفادة رسمية من الاتحاد الأفريقي أو الوساطة بشأن استئناف التفاوض وأجندته بين الدولتين في الشمال والجنوب. شكوك واتهامات طبقاً للمعلومات التي رشحت فإن رئيس الآلية الأفريقية ثابو أمبيكي، يقود تحركات مكثّفة بين عواصم الإقليم لتهيئة الأجواء التفاوضية، وأن مهمة دفع الخرطوم وجوبا للمفاوضات تأتي وسط حالة من الشكوك والاتهامات وعدم الثقة المتبادلة ومواقف أمنية على الحدود لم تنجل بعد، ما يُشكل تحدياً كبيراً لآلية الاتحاد الأفريقي. وتوقفت المفاوضات بين دولتي السودان وجنوب السودان، التي ترعاها آلية الاتحاد الأفريقي برئاسة ثابو أمبيكي رئيس جنوب أفريقيا السابق، لحسم القضايا العالقة بين الدولتين بسبب المواجهات المسلحة التي دارت أخيراً في منطقة هجليج النفطية. وطالب الاتحاد الأفريقي في قرار صادر في الرابع والعشرين من أبريل الماضي مجلس الأمن المؤلف من (15) دولة اعتماد مطالبه التي تنادي السودان وجنوب السودان بوقف الأعمال العدائية في غضون (48) ساعة وبدء المحادثات في غضون أسبوعين واستكمال اتفاق سلام في غضون ثلاثة أشهر. وكانت الحكومة السودانية جددَّت رفضها بعدم الدخول في أي مفاوضات مع دولة جنوب السودان قبل حسم الملف الأمني بين البلدين. وهو ما أكده بالأمس وكيل وزارة الخارجية ل(الأهرام اليوم) بأن القضايا الأمنية، قبل السياسية، مطلب أساسي للحكومة السودانية لاستئناف المفاوضات. سياسة العراقيل قبل الشروع في المفاوضات شرعت دولة الجنوب في ترتيب أجندتها باعتماد خريطة رسمية لحدود دولتها مع دولة السودان ضمت فيها منطقة (هجليج)، وهو ما اعتبره مراقبون سياسيون طبقاً لفضائية (الشروق) رفعاً لسقف المطالب قبل التوجه إلى أديس أبابا. دولة جنوب السودان جددَّت التزامها بتنفيذ القرار الأممي القاضي باستئناف التفاوض مع الخرطوم، وقررت اعتماد خريطة دولة الجنوب الرسمية حسب حدود 1/1/1956 م بما فيها منطقة (هجليج) المتنازع عليها مع دولة السودان. بيد أن مستشار رئيس الجمهورية غازي صلاح الدين قال إن قرار حكومة جنوب السودان باعتماد وضع المناطق المتنازع عليها ضمن أجندة التفاوض، يعكس أنها تضع العراقيل أمام أي مفاوضات مع السودان. وقال المتحدث الرسمي باسم حكومة الجنوب برنابا بنجامين إن حكومته جدَّدت تمسكها بالقرار الدولي بالعودة إلى المفاوضات تحت مظلة الآلية الأفريقية رفعية المستوى برئاسة ثابو أمبيكي. وقال الوزير في أعقاب جلسة مجلس الوزراء أمس الأول (الجُمعة) إن حكومة الجنوب ستفاوض حكومة السودان في ملف الحدود وفق (الخريطة) المعتمدة التي تشمل كل المناطق التي تتبع إلى دولة الجنوب. لكن غازي نوَّه في تصريح صحفي أمس (السبت) إلى أن قرار دولة الجنوب يعكس سوء القصد في قرار مجلس الأمن الدولي الذي أسَّس لهذه الدعاوى والمزاعم من خلال فقرة تتحدث عن ضرورة مناقشة أوضاع المناطق المتنازع عليها، مشيرا إلى أن قرار المجلس لم يعط المناطق المتنازع عليها الأولوية في التفاوض. وقال غازي إن موقف الحكومة السودانية المعلن والمستند إلى قرار مجلس الأمن يؤكد ضرورة تجاوز القضايا الأمنية مع دولة جنوب السودان للانطلاق لبقية القضايا محل الخلاف، حسبما أوردته صحيفة (أخبار اليوم) المصريّة أمس. ضغوط دولية المفاوضات بين الدولتين بشأن القضايا العالقة توقفت بسبب المواجهات المسلحة التي دارت بمنطقة (هجليج) النفطية في العاشر من مايو الجاري. وكان مجلس الأمن الدولي طلب في قراره (2046) الصادر في الثاني من مايو دولتي السودان وجنوبه، استئناف محادثاتهما بحلول السادس عشر من مايو الجاري والانتهاء من تسوية القضايا العالقة التي تشمل النفط وترسيم الحدود وأبيي في غضون ثلاثة أشهر. وذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية أن الحرب في دولتي السودان وجنوب السودان، أصبحت أمراً يعرفه الناس هناك جيداً. وفي سياق تقرير بثته الصحيفة (الجُمعة) على موقعها الإلكتروني أشارت إلى تصاعد الاشتباكات الحدودية أواخر مارس الماضي ما أسفر عن مقتل المئات وتبادل السيطرة على حقول النفط الإستراتيجية. وقالت الصحيفة إن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة دفعوا كلا الجانبين لإيقاف القتال حيث أكدوا على أن المنطقة لا تحتمل نزاعاً كبيراً. وأوضحت الصحيفة أن السودان وجنوب السودان اتفقا مبدئياً في الأيام الأخيرة على العودة إلى طاولة المفاوضات برغم إشارة المسؤولين في جنوب السودان إلى مواصلة السودان قصف المناطق على طول الحدود. ترسيم الحدود في ما يتعلق بترسيم الحدود بين الدولتين في الشمال والجنوب، قال نائب رئيس حكومة جنوب السودان رياك مشار إن (40 %) فقط من الحدود المشتركة بين السودان وجنوب السودان تم الاتفاق على ترسيمها من حيث المبدأ، ونوَّه إلى أن النسبة المتعلقة بترسيم الحدود الغنية بالنفط لم يتم الاتفاق عليها على أرض الواقع. لكن الحكومة السودانية قالت إن ترسيم الحدود بينها وجوبا تم الاتفاق عليه بنسبة (80 %). مشار خلال مخاطبته مؤتمر في عاصمة ولاية شرق الاستوائية توريت (الخميس) الماضي قال إن حكومته تسعى للتوصل إلى حل سلمي بشأن ترسيم الحدود مع حكومة الخرطوم. في سياق غير بعيد أعلن وكيل وزارة الخارجية السفير رحمة الله محمد عثمان جاهزية الخرطوم للدخول في المحادثات المشتركة مع مفاوضي دولة جنوب السودان حول القضايا العالقة حال تصدرت الملفات الأمنيّة أجنداتها. وقال عثمان إن الخرطوم لم تبلغ حتى الآن بموعد بدء المحادثات، ولا بموعد وصول الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي، وأكد أن فريق التفاوض السوداني جاهز لتلبية دعوات الوساطة الأفريقية في أي وقت للانخراط في عملية التفاوض حول القضايا العالقة شريطة البدء بالمسائل الأمنية. وأوضح أن خريطة مجلس الأمن الدولي الصادرة أخيراً نصت على حل المسائل الأمنية قبل التفاوض فى القضايا الأخرى وهو ما يدعم موقف الخرطوم التي تطالب بحسم الملفات الأمنية أولاً