تختلط علينا المفاهيم التربوية بين العلم الذي يدرس نفس الطفل ورغباته وطرق نموه الاجتماعي والعقلي، وبين العلم الذي نلتقطه من «الحبوبات» والأمهات والخالات والعمات والجارات الخ... ولا نعرف - بدون خبرة - كيف ندير العلاقة بيننا وأطفالنا بشكل جيد وسليم. معظم الكتب التي نلجأ لقراءتها لأستخلاص الأفضل منها في التربية تكون من علماء و«دكاترة» غير سودانيين، وبالتالي لا يكون في الاعتبار الشخصية السودانية والتشكيل الاجتماعي والبيئي المتحكم في تربيتنا بشكل مباشر، وبالتالي لا تصلح معظم نصائحهم التربوية، رغم أن الأطفال في كل المجتمعات متشابهون - كما يقال. أما المسموع والمتناقل عبر الأجيال والآذان في التربية السودانية فهو في معظمه مغلوط يقوم تماماً على تلقين الطفل الذكر: «يا ولد ما تبكي إنت راجل والراجل ما ببكي!» أما الطفلة الأنثى فهي في البكاء مسموح لها بالتعبير متى تشاء، لكن ما دون ذلك عيب: «ما تلعبي بالعجلة، دي حقّت الأولاد!» أو«يابت اسمعي كلام أخوكِ» بغض النظر عن ترتيب الأخ بالنسبة للأخت! ورغم الإشراقات التربوية التي نصادفها لدى بعض الأسر التي تربي أبناءها على احترام الغير بدون تمييز نوعي أو تفضيل ترتيبي للولد على البنت، إلا أنها ما تزال ممارسات ومناهج تربوية فردية لا يمكن تطبيقها على كل الحالات، إذ تتطلب جهداً خارقاً بجانب فصل مؤقت عن المجتمع الذي ينادي بتلك التربية القديمة، إذاً ما العمل؟ «ثمرات القلوب» مُطبَّقٌ من أربع صفحات لا تزيد، تنشره وحدة التثقيف التربوي بإدارة التعليم قبل المدرسي، بفكرة من التربويّة القديرة الأستاذة «مريم حسن عمر» التي اجتهدت لتركيز التعليم قبل المدرسي والتطعيم لكل طفل، كواحدة من الحقوق المشروعة للطفل، وبترتيب ذكي جداً، حيث أن الطفل الذي لا يمتلك كرت تطعيم صحي لا يمكن تسجيله في رياض الأطفال ! وإذا لم يكن لديه ملف من روضة مسجلة من وزارة التربية لا يمكن تقييده في أي مدرسة ! وبذلك ضمنت أهم حقَّين من حقوق الطفل المنصوص عليها في الاتفاقية. وبعودة لفكرة المطبق الذي تحرّره معلمات رياض الأطفال بنسب متساوية لكل المحليات في ولاية الخرطوم بشكل شهري، فإنه يمنح الأمهات الحائرات الأفكار التربوية السليمة للتعامل مع الطفل وفهم سلوكه ونفسيته، وبالطبع تأتي الأفكار في شكل بسيط وفاعل وبالضرورة متجاوبة ومراعية للمجتمع السوداني الذي نعيش فيه.. مثال: «عزيزتي الأم.. جربي معنا - ولن تخسري - محاولات صغيرة لتكوني علاقة حميمة مع طفلك: - الحزم دون عنف. - المناقشة والإقناع دون القمع والإسكات. - العقاب بالحرمان أو العزل دون الضرب والتبريح والإساءة. - أولي طفلك كامل اهتمامك عندما يحدثك ولا تتشاغلي عنه مهما كانت أهمية ما تفعلينه في تلك اللحظة. - تحدثي مع طفلك كأنّه صديقك، وبتبسيط وحاولي أن تشعريه بحبك واهتمامك به ليكسب الثقة بنفسه. - انخفضي لمستوى ارتفاع طفلك عند توبيخه أو توجيهه. - تمسّكي بقوله صلى الله عليه وسلم «ما وُضع اللين في شئ إلا زانه وما انتُزع من شئ إلا شانه». وغيرها من الأفكار الكبيرة المحمولة في مساحة صغيرة ومجانية. إن حاجتنا لمعرفة حقوق الطفل قبل ممارستنا الجاهلة لفرض سيطرتنا وواجباتنا تسهِّل بلا شك مهمتنا في التربية وضمان إنسان سليم نفسياً يعرف حقوقه ويؤدي واجباته.. وتمكننا من الاستمتاع بحلاوة ثمراتنا التي رعينا شجرتها بحب وعناية متفتحة.