قال أتسيسون، وزير الخارجية الأمريكي أول الخمسينات: «فقدت أمريكا إمبراطوريتها ولم تعثر بعد على دور».. ولم يقل هذا الكلام أيام كان وزيراً أو هذا ما نعتقده لأنه عندما كان وزيراً للخارجية في أول الخمسينات كانت الإمبراطورية البريطانية موجودة. وكانت بداية النهاية بالنسبة لها عام 1947م عندما استقلت الهند، وحدث ذلك أيام الحكومة العمالية التي رأسها أتلي.. ويقولون إن عهده، الذي استمر من عام 45 إلى عام 1951م، هو العهد الذي ظهرت فيه إرهاصات تصفية الإمبراطورية. وكان حزب العمال البريطاني، الذي يتزعمه أتلي، أكثر استجابة لنداءات العصر التي هي تصفية الاستعمار وتقرير المصير واستقلال الشعوب من حزب المحافظين الذي كان قائده في تلك الفترة وينستون تشرشل يقول: «لن أكون أنا رئيس الوزراء البريطاني الذي يصفي الإمبراطورية».. وكان تشرشل تقلد رئاسة الحكومة البريطانية مرتين؛ الأولى في الفترة من عام 40 إلى عام 1945م، والثانية في الفترة من عام 51 إلى عام 1955م، وهو الذي شهد معركة كرري الشهيرة عام 1898م وألّف عنها كتاب (حرب النهر). لكن المحافظين مع الأيام أصبحوا يتفهمون ويتأقلمون ويستجيبون لنداءات العصر، التي هي تصفية الاستعمار واستقلال الشعوب وتقرير المصير، ففي عهدهم الممتد من عام 51 إلى عام 1964م، جلت بريطانيا عن مصر واستقل السودان وغانا ودول أفريقية أخرى. وقد تولى رئاسة الحكومة البريطانية خلال هذه الفترة بعد تشرشل كل من إيدن وماكميلان والسيد هيوم. الإمبراطورية البريطانية، عند النظر إليها من زاوية معينة، تستحق الإعجاب داخل بريطانيا وخارجها.. وطبعاً كان اعتزاز البريطانيين بها هو الأكبر فكانوا يلقنون أبناءهم عبارات من شاكلة: «أحكمي يا بريطانيا حتى الأمواج»، وغيرها. ولم يكن سهلاً أن تحكم دولة صغيرة جداً، من حيث المساحة، بلاداً في اتساع الهند وأستراليا وكندا ونصف أفريقيا والخ... وإلى درجة أن الشمس فعلاً لم تكن تغرب من ممتلكاتها. نعم لم يكن ذلك بالأمر السهل وفي نفس الوقت كان من المستحيل استمراره، وذهبت الإمبراطورية البريطانية بالفعل إلى التاريخ. ولم تعثر بعد كما قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق اتسيسون على دور، ولم تعد قائدة حتى في الدوائر التي انتهت إليها مثل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوربي. لقد دخلت بريطانيا في الجاكت الأمريكي ولم تخرج منه بعد.