من مزايا الحُكّام الخواجات الصالحون منهم والطالحون، أنهم يكتبون تجربتهم في السلطة، بعكسنا نحن في هذه المنطقة من العالم، فعندما يختفي الحاكم بالموت أو الانقلاب تختفي معه التجربة التي كان هو على رأسها، ويصبح البحث عن حقيقة ما جرى في عهده أمراً دونه خرط القتاد. لقد كتب كل الحكام الخواجات أو معظمهم عن الفترة التي تولوا خلالها شؤون بلادهم وكانت هذه الكتابات مصدراً مهماً من مصادر التاريخ السياسي ومرجعاً لا غنى عنه بالنسبة للمؤرخين والدارسين والباحثين. ومن أسابيع قليلة كتب زعيم حزب العمال ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير عن تجربته، وكتب بمعنى أدق عن سيرته ومذكراته التي أهم ما فيها أنه كان في الفترة من عام 1997م إلى عام 2007م رئيساً لوزراء بريطانيا إحدى أهم الدول المؤثرة في العالم حتى الآن. ولقد كان تأثيرها في الماضي نابعاً من امبراطوريتها التي كانت تشغل أكثر من نصف مساحة الكرة الأرضية ومازال لها تأثير لا يُنكر، ومن تجليات هذا التأثير الآن اللغة الإنجليزية التي هي الآن أهم اللغات وأكثرها انتشاراً، وفضلاً عن ذلك فإن هذه اللغة هي اللغة الرسمية في الولاياتالمتحدةالأمريكية أقوى دول العالم وأكثرها غنىً ونفوذاً. لقد كتب توني بلير سيرته الذاتية ومذكراته واحتفت بها الصحافة العالمية، وجاء الدور هذه المرة على شريكه الأكبر في عملية الحرب على العراق الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش فقد كتب مذكراته. وتقول جريدة (ذي ديلي تيليغراف) في عددها الصادر أمس السبت الموافق 6 نوفمبر 2010م في تعليقها على المذكرات: إن بوش هو الرئيس الذي قاد أمريكا وحلفاءها في حربين مازالتا تشكلان العالم، وحكم الولاياتالمتحدةالأمريكية ثمانية أعوام كان خلالها أحد أكثر الرؤساء الأمريكيين إثارة للجدل. لقد تقاعد الرئيس بوش قبل عامين في موطنه بتكساس والتزم الصمت خلالهما لكنه تقول الجريدة اللندنية هذا الأسبوع سوف يحكي عن تلك الفترة التي حكم خلالها أقوى دولة في العالم، الولاياتالمتحدةالأمريكية وسوف يتحدث عن تقييمه لمن تعامل معهم. وسوف تسبق صدور الكتاب سلسلة من اللقاءات التلفزيونية وهو من 497 صفحة. ويبدأ الكتاب بمعركة الرئيس بوش مع الخمر، فقد كان مدمناً، وفيه تجد تقديراً كبيراً حمله الرئيس بوش لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير الحليف الغربي الرئيس الوحيد الذي وقف معه بصلابة في حربي أفغانستان والعراق. وعندما كان بلير يواجه ضغوطاً سياسية مكثفة في بريطانيا جرّاء تأييده ودعمه للرئيس بوش قبل غزو العراق أخبره الرئيس الأمريكي بأنه يفضّل انسحابه من تحالفه مع أمريكا لتستمر حكومته. لكن بلير ردّ بأنه يؤمن إيماناً مطلقاً بضرورة استمرار وقوفه مع أمريكا حتى النهاية. وقال بوش: في رده.. صديقي بلير تذكرت وينستون تشرشل «رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية النازية، وكان أحد أهم حلفاء الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكانت لحظة من الشجاعة سوف تبقى معي إلى ما لا نهاية».