في يوليو 1945م كانت ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية قد استسلمتا،في الحرب العالمية الثانية وبقيت اليابان تقاوم، وكان الثلاثة الكبار هم الرئيس الأمريكي ترومان، والزعيم الشيوعي جوزيف ستالين، ورئيس الوزراء البريطاني المحافظ وينستون شرشل. وكانت حكومة تشرشل ائتلافية من حزبه حزب المحافظين ومن حزبي العمال والأحرار. وطلب تشرشل من شركائه في الحكم الاستمرار معه في الحكومة حتى يفرغ من أمر اليابان، لكنهم رفضوا، ولذلك كان حتماً أن تُجرى الانتخابات، وأجريت في 26 يوليو 1945م. وكان الناس داخل بريطانيا وخارجها يتوقعون فوز المحافظين بقيادة تشرشل، وإن بأغلبية ضئيلة، فالانتصار الباهر الذي تحقق حتى ذلك الوقت من يوليو 45 على النازية والفاشية كان ينسب إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وإلى الاتحاد السوفييتي وبريطانيا شعباً وجيشاً وحكومة وإلى رئيسها تحديداً، تشرشل. ولكن حدثت المفاجأة، فقد فاز حزب العمال بقيادة زعيمه كليمنت أتلي الذي أصبح رئيساً لمجلس الوزراء، وهُزم حزب المحافظين بقيادة تشرشل الذي أصبح زعيماً للمعارضة. لقد قبل تشرشل، أحد أبرز وأهم أبطال الحرب العالمية الثانية، بهزيمة حزبه في الانتخابات، ولم يدعُ لإلغائها وإعادتها، ولم يفكر في أن تخرج جماهير حزبه ولا جماهيره هو شخصياً التي كانت تضم كثيرين من خارج حزب المحافظين بحكم دوره الضخم في تحقيق الانتصار في الحرب العالمية الثانية؛ إلى الشارع. لكنه راح يلعب دوره زعيماً للمعارضة، ويجهز حزبه للانتخابات المقبلة، واستطاع بالفعل أن يقود حزبه للفوز في انتخابات 1951م، وأن يعود مرة ثانية إلى مكتبه في (10) داوننج ستريت بلندن، رئيساً لمجلس الوزراء. وعندنا في السودان نموذج أو مثال يمكن أن نقارنه مع بعض الفوارق بتشرشل، من حيث الروح الرياضية، والامتثال لقواعد العملية الديمقراطية. فقد تحقق الجلاء والسودنة والاستقلال منتصف خمسينيات القرن الماضي، ويُنسب الفضل لكثيرين، الشعب وأبنائه الوطنيين المرموقين، وفي طليعتهم الزعيم إسماعيل الأزهري الذي أصبح رئيساً لمجلس الوزراء، ثم أسقطت حكومته بانشطارات وتغيرات في ولاءات النواب وبإصرار واضح من زعيمي الختمية والأنصار. ثم أجريت الانتخابات عام 1958م، وسقط الحزب الذي قاد عملية الجلاء والسودنة والاستقلال، وقبل الزعيم وحزبه بالعمل معارضين، منتهى الروح الرياضية، ومنتهى الالتزام بقواعد الديمقراطية. ولم يعد الزعيم الأزهري إلى السلطة إلا بعد انتخابات 1965م رئيساً لمجلس السيادة، ورغم ذلك فإن ديمقراطية حزب الزعيم الذي كان يسمى قديماً حزب الحركة الوطنية؛ لم تكن مكتملة، وهذا موضوع آخر وطويل، وقد نعود إليه.