إن الوطن عند المطرب سيد خليفة من خلال قصيدة «يا وطني» لشاعرها إبراهيم رجب، هو بلد الأحباب في الحضور والغياب وليس له أي شعبية.. وهو عهد الصبا من ثم فإنه يفخر به وبالروح يفديه.. أما الوطن عند المطرب وردي في قصيدة «الطير المهاجر» لصلاح أحمد إبراهيم، فإنه يرسخ في الذاكرة زمن الخريف وهو أيضاً نيل ونخيل وضل دليب. وإذا دلفنا إلى «وردة صبية» لمحجوب شريف ، نجده سماءً بلا حدود و«حمامة جناها لا خايف ولا مفقود» ويأخذ شكل جزيرة وهودج بل علمه كيف يحلم. واذا عرجنا نحو الفنان صلاح بن البادية واستصحبنا معنا كلمات مبارك المغربي في قصيدته «حب الأديم» نجد أن الوطن هو «آية من الجمال» وصبا النيل ورهيد البردي ونخيل الباوقة. ما ذكرناه ليس إلا على سبيل المثال عن كلمة «وطن» في أغانينا ، ولكن لو سألنا عن ماذا تعني كلمة «وطن» لدى طالب أو طالبة في الثانوية أو في جامعة أو موظف أو عامل أو تاجر أو أديب أو فنان أو رياضي.. إلخ ، نجد أن الوطن لدى كل منهم لن يخرج عن فضاء الجمال والقبح .. الشمس الساخنة والأمطار الغزيرة .. النيل والأشجار.. زحمة الناس والحافلات والهايسات والركشات .. المساجد والكنائس .. الأهرامات .. كرومة وسرور .. وردي ومحمد الأمين. عائشة الفلاتية وشرحبيل أحمد .. سبت دودو وماجد .. أحمد المصطفى وسيد خليفة والعطبراوي.. الطيب صالح والفيتوري وعبد الله الطيب والمجذوب. سألت أحدهم عن ماذا تعني كلمة «وطن» لديه.. يبدو أنه صدم في البدء ولكنه أجابني: كيف تطلب مني أن أفسره وأنا خريج منذ أربع سنوات.. عاطل ، مثلي مثل كثيرين؟.. كيف لي أن أعرف كلمة وطن وأنا عاطل.. محبط؟.. فالوطن عندي هو «العمل» وأنا بلا عمل ! دعك من حكاية الأغاني والشعارات الجميلة .. صحيح أنا أحب هذا الوطن ولكني لا أجد له أي عذر له حين يهملني وآلافا غيري وهناك من يغرقون في الأموال وناطحات المباني ونحن نغرق في الفقر والبطالة. سألت جرسونا في مطعم عن كلمة «وطن» فذكر: إنه هؤلاء الزبائن بكل سحناتهم الذين يعرفونني وأعرفهم «ناس طيبة» أتبادل معهم ما يدور في الشارع من فن.. لرياضة .. لسياسة. توجهت بالسؤال لزميل يصغرني بأكثر من عقد من الزمان فقال: ان الوطن هو فريق الهلال ..لأني «بفرح كتير لما أكون متضايق» وهو منتصر ..الهلال لديه ثقافة الفوز.. لو ترشح في الانتخابات القادمة كحزب لفاز فوزاً ساحقاً.. يقول شاب: ان الوطن هو المطرب مصطفى سيد أحمد لأنه في اعتقادي إن الولاء لجزء من الوطن .. هو ولاء للوطن كله.. وأنا ولائي «لصوت» مصطفى سيد أحمد وأغانيه التي تخترق كل جوارحي .. كنت أتمنى أن يمتد به العمر ليتحفنا بروائعه ولكنها إرادة المولى عز وجل ان يرحل وهو في عنفوان نجوميته. قالت لي إحداهن: إن الوطن هو الأمل والإصرار لدينا كشريحة شبابية بالرغم من الفساد والرشوة.. يضيع الوطن حينما يصبح شبابه بلا حلم أو طموح .. إنه مؤشر خطير عندما لا تعرف كيف تحب وطنك؟ نعم هناك سفلة يشترون بأموال المواطنين كل شئ ولكن لن يصرفنا ذلك عن النهوض بهذا الوطن . هكذا هو الوطن.. فهو عند الأثرياء يختلف التعبير عنه عند الفقراء والمهمشين وهو عند الحزب الحاكم يختلف لدى المعارضة .. هو عند المبدع يختلف معناه عند العالم أو الفقيه .. المهم لدينا أن نتفق جميعاً بأننا ضد أن تصبح السلطة والمال مرادفاً لكلمة وطن .. المهم والأجدر أن نحب هذا الوطن «ككل» ليس مجزءاً. أسرة مكونة من أب وأم وولد وبنت وقفوا ركشة وقالوا للسواق: تركبنا للموقع «الفلاني» بكم؟ قال للأب: إنت والمدام بأربعة جنيه.. وزي بعضه الأولاد مجاناً.. قام الأب قال لسواق الركشة وصل الأولاد ونحنا حنجي وراهم!!