لغة واحدة تعالت لسنوات في اقليم دارفور هي لغة الرصاص، حصيلتها قتلى وجرحى ومشردون، أخطاء استراتيجية ساهمت في إشعال الأزمة وتصاعدها، أحداث وكوارث إنسانية خطيرة نالت من عدد كبير من سكان الإقليم، قوات دولية ومنظمات اغاثة انسانية، قرارات من مجلس الامن وملاحقات دولية، مناورات سياسية ودبلوماسية ترافقت مع ضغوط نفسية وتهديدات أمنية فتحت الباب واسعاً لدخول القوات الاجنبية لتستغل بعدها ذريعة للتدخل في شؤون السودان الداخلية وفرض العقوبات والاتهامات بالابادة الجماعية لتلج عبر بوابتها محكمة الجنايات الدولية، لكل ذلك وبتوقيع الاتفاق الاطاري ووقف إطلاق النار يبقى امام الحكومة وحركة العدل والمساواة التحدي الكبير في الخروج من مأزق السنوات السبع بعد أن ظل الاقليم وسكانه ولسنوات بين مطرقة الغرب وسندان الحكومة وذرائعها وحديثها المتكرر عن المطامع الغربية والامريكية والصهيونية في الاقليم الذي يتمتع بالنفط والمعادن الأخرى خلاف المياه في باطن اراضيه، وقد حمّل مدعي عام المحكمة الجنائية لويس مورينو أوكامبو مسؤولية قتل كل هؤلاء نظام البشير الذي دائما ما يرسل وسيطا للصلح في كل واقعة قبلية وليس بمقدوره الحيلولة دون تجدد النزاع القبلي، ويظل التحدي الاكبر القائم امام الحكومة والعدل والمساواة تجاوز مرارات الماضي وتنفيذ نصوص الاتفاق الذي نص على ضرورة أن تشكل حركة العدل والمساواة حزبا سياسيا منذ التوقيع على الاتفاق النهائي بين الطرفين. وفي بنده الاول، ينص الاتفاق على وقف إطلاق النار وبدء مباحثات فورية من أجل التوصل الى اتفاق حول تطبيقه. كما ينص أيضاً على دمج مقاتلي الحركة في وحدات الجيش والشرطة والافراج عن اسرى الحرب، والعفو عن مدنيي وعسكريي حركة العدل والمساواة. كذلك ينص الاتفاق على تعويض النازحين وتنمية إقليم دارفور الذي طال تهميشه والبحث في تقاسم الثروات. وكان تقاسم السلطة والثروات دائماً يشكل العمود الفقري في كل الاتفاقات التي وقعتها الخرطوم مع مختلف حركات التمرد، كما حصل مع الحركة الشعبية ليبقى التحدي في تغير وجه دارفور وتنمية انسانها. وقد طفت قضية إقليم دارفور على السطح مع بدايات عام 2003م كأزمة سودانية داخلية، جاءت كنتيجة للصراع المستمر والمتصاعد في الإقليم حول ملكية الأرض وحيازتها بين المزارعين ومعظمهم من قبائل الفور والزغاوة والمساليت وبين الرعاة، حيث يتمسك ويُصر المزارعون على الانفراد الكامل بملكية الأرض وعدم السماح للآخرين بالانتفاع بها لأغراض الرعي وممارساته. إلا أن الأزمة أخذت لدى الرأي العام العالمي منحى آخر، تبلور في تصوير الأحداث الجارية في الإقليم على أنها صراع إثني بين القبائل العربية والقبائل الإفريقية، تنحاز فيه الحكومة السودانية ذات التوجهات الإسلامية إلى القبائل العربية على حساب نظيرتها الإفريقية في الإقليم ، وبدأت عندها رحلة من التهجير والنزوح وتبادل الاتهامات بين الخرطوم وانجمينا بالضلوع في زعزعة الامن والاستقرار. وقد أخذت قضية دارفور طريقها نحو التدويل، وسُلِّطت عليها الأضواء بكثافة منذ يوليو 2004م، من قِبل القوى الدولية الكبرى، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية بصفة خاصة، حيث لعبت واشنطن دورا سالبا في تعميق أزمة الإقليم، بينما سارعت الحكومة خطاها لدحض ما تعتبره اتهامات لتشويه صورة السودان الخارجية عبر الإعلام الذي لطالما اتهم بأنه يضخم ارقام النزوح والقتلى في الاقليم وتضارب الارقام في القتلى والنازحين بين الحكومة والامم المتحدة التي سمحت لها حكومة الخرطوم بالتواجد في أراضي دافور تحت اسم بعثة يوناميد التي يقدرعدد قواتها بأنه يقل قليلا عن العدد المستهدف وهو حوالي تسعة عشر ألف جندي، وساهمت كل هذه العوامل في تصعيد أزمة دارفور إلى أن وصلت إلى المحكمة الجنائية الدولية التي صدمت مذكرتها بتوقيف البشير الشعب السوداني. ذلك أن البشير،الذي استطاع أن يضع حدّا للحروب في جنوب وشرق السودان، ووقّع اتفاقات سلام في تشاد وأبوجا النيجيرية وذهب مفاوضوه إلى الدوحة وطرابلس لأجل دارفور، كان يمكن أن يرشح لنيل جائزة نوبل للسلام بدلا من أن يصبح مطلوبا دوليّا.