كل شيء في المنزل ممنوع بأمر (سي السيد)، ممنوع الخروج وزيارة الأهل والجيران، ممنوع الجلوس إلى التلفاز مدة طويلة، ممنوع استقبال الصديقات في المنزل، ممنوع الذهاب إلى الحفلات والمناسبات الإجتماعية، ممنوع الإستعانة (بشغالة) للمساعدة في الأعمال المنزلية، ممنوع الذهاب إلى أي مكان بدونه حتى وإن كان إلى الطبيب. استوعبت كل هذه الموانع منذ البداية واستسلمت لها على إعتقاد أنه هذا ما يجب أن تؤديه المرأة من حُسن التبعُّل لزوجها، كانت راضية بالأمر ومقتنعة أن كل دوافعه لتلك الموانع والقسوة ما هي إلا دوافع الغيرة والوله وحب الإمتلاك. ولكن منذ متى يحيا الحب ويتنفس داخل سجن من الأنانية والاستعباد؟ هكذا كانت تردد صديقتها على مسامعها كلّما التقتها خفية من ورائه ولكنها لم تكن تكترث لسخريتها واستنكارها للأمر فهي لا تقدِّر عظمة الزوج والزواج وقداسته لأنها لم تجربه بعد ولم تجد زوجاً يرضى بتحررها وانفتاحها وقوتها الشخصية. كانت تحب صديقتها جداً.. منذ أيام الدراسة وهي منبهرة بها لأنها رأت فيها كلّما تفتقر إليه..، رأتها متحدثة لبقة وجريئة ومهندمة تلبس على الموضة ومثقفة تتحدث عن الفن والأدب والسياسة وتضحك بصوت عالٍ وتتحدث إلى الأولاد في الطريق العام..، وربما هذا ما جعلها حتى الآن بلا زواج فهي تعتقد أن الفتاة الفاعلة هي بالضرورة فتاة سيئة السمعة ينفر منها الجميع ولا تجد أبداً من يتزوجها..، ورغم ذلك ظلت على حبها وولائها لها وإخلاصها لصداقتهما. وربما هو الأمر الوحيد الذي وجدت الجرأة لتخالف فيه أوامر زوجها الذي طلب منها أن تقطع علاقتها تماماً بهذه الصديقة التي لا يحبها فأبدت موافقتها وظلت تلتقيها أحياناً خِلسة دون أن يعلم. وكان زمناً طويلاً قد مرّ دون أن تلتقيها وتجالسها..، وشعرت بشوق عظيم لها ولمعرفة أخبارها، فهي تتذكرها كلما عربد حفيف الاستياء والضيق بأعماقها..، ولما كان محرماً عليها إمتلاك هاتف جوال بأمر الزوج المفدّى إكتفت دائماً بأن تحفظ رقم هاتف صديقتها عن ظهر قلب وتطلبها من أي مكان كلما سنحت الفرصة. وفي غمرة شوقها ولهفتها عليها وجدت هاتفه أمامها على المنضدة وكانت عائدة من إتجاه الحمّام بعد أن هيأته له وجهزت له أشياءه وملابسه..، إنتظرت حتى دخل ليَستَحم، وهي تعلم أنه يطيل البقاء هناك، ولملمت شجاعتها المبعثرة وقررت المجازفة باستخدام هاتفه لدقائق على أن تمحو الرقم حالما تنتهي من المكالمة. مدّت يدها المرتجفة نحو الجوال وهي تبلع ريقها.. فكرت في التراجع لكنها كانت مدفوعة لهذه المجازفة..، أمسكت الهاتف بيدها الباردة وطلبت الرقم على عجل وأنفاسها تتهدج وعيونها شاخصة باتجاه (الحمام) وسرعان ما استوعب الهاتف الرقم وبدأ في إجراء المحادثة.. وسرعان ما ظهر على الشاشة اسم صاحب الرقم المطلوب (فلان)..، أغلقت المكالمة على عجل وعادت لكتابة الرقم من جديد بتركيز أكبر ومرة أخرى ظهر اسم (فلان)، ولما كانت متأكدة من صحة الرقم دفعها الفضول للاستماع لصوت الطرف الآخر..، وضعت الهاتف على أذنها بترقب وسرعان ما أتاها صوت صديقتها الحبيبة وهي تهمس بدلال (أهلين حبيبي)!.. يا للهول..، أغلقت الهاتف وهي تحبس أنفاسها والأرض تميد تحت قدميها..، كان الإسم لرجل والصوت لصديقتها الحميمة.. فكرت سريعاً وتجرأت بفتح حافظة الرسائل الواردة.. فاجأتها عبارات الحب والحميمية التي تضمنتها الرسائل الواردة باسم (فلان) الذي لم يكن سوى صديقتها المتحررة التي يكرهها زوجها وتمعن هي في تحريضها على الثورة على هذا الرجل الذي ينادي بالالتزام والانغلاق داخل المنزل ويعربد خارجه..، الذي يفضل الزوجة المنكسرة.. ويتوق للعشيقة المتمردة..، هذا الرجل المتناقض الذي لم يجد سوى صديقتها الوحيدة وكأنه مُصرّ على اغتيال كل الأشياء الجميلة في حياتها. لم تنتظر خروجه من الحمام ولكنها خرجت من المنزل ومن حياته وهي تقهقه من بين دموعها. تلويح: إنّه رجل خسر أفضل ما في حياته.