حالما ينتهي الإحتفال وينفضّ سامر الصيوانات والمايكروفونات والسيارات الفخمة، يقبع على الأرض بلا حولٍ ولا قوة ولا كرامة.. علم السودان!! لا يهتم أحد برفعه وجمعه كما يرفعون ويجمعون كراسي اللقاء الجماهيري وقوارير المياه المعلّبة وبقايا الفول والبلح ..بل لا يعرف أحد من الجامعين ماذا يعني! قبل كل حضور لوالٍ أو وزير أو أي مسؤول حكومي في أي منطقة من المناطق، يتم توزيع علم السودان بنماذج مُصغّرة تُحمل على اليد بمساعدة عود مصاص العصاير..(ليهِز) بها الحاضرون ويرددون الشعارات الوطنية أو بالأصح التي يُراد لهم ذكرها في ذاك اللقاء ، ثم مباشرة عقب خروج المسؤول وإطلاق (سرينة) حمايته ووفده يلوح له الجماهير مودعين وملقين بعد تلويحة الوداع بعلم السودان أرضاً...!! والصغار الحاضرين يحولونه إلى (سيف) وسبحانه لعقولهم الذكية!! ينازلون به بعضهم باسمين ..وبعض القلة تثبته على جوانب سياراتهم يقلدون برغبة داخلية شريرة سيارات المسؤولين. ليسقط أيضاً بفعل الريح أو شرطي مرور مراقب . وأصبح العلم أكسسواراً إحتفالياً أكثر منه سيادة وطنية. يتم التعامل معه بفوضى ولامبالاة عالية. فلم يتخذ الوطنيون القدامى كل ذاك الوقت لاختيار الألوان ثم تغييرها من الأزرق والأصفر والأخضرالقديم - وما زال موجوداً- إلى الحالي الأجمل بالأسود والأبيض والأحمر والأخضر رامزاً إلى السودان الأكبر والأشمل فى الثروات والبني آدميين..والسلام . وقال لي تربوي قديم وأستاذ أفنى نظره ونظرياته في تعليمنا كأجيال : (يا بتي مشاكلنا وصراعاتنا وحروباتنا وانقساماتنا دي كلها نتيجة لعدم وطنيتنا ، جيبي ليك مصري مثلاً وأشتمي قدامه بلدو والله ياكلك بسنونو حيّة ، لكن ممكن يناقشك لو الشتيمة دي كانت في وزير ولا كده! نحنا بالعكس تماماً بنمجِّد الناس ونشتم الوطن!! والغريبة ما في حكومة جات راضية تضمِّن التربية الوطنية في المناهج التربوية الجماعة ديل دخلوا العلوم العسكرية والحاسوب وملوا عقول الأولاد بيها بدون تمكين لوطنيتهم أولاً) .. ولحديثه شجون كبيرة واكتفيت بما يفيدني في أمر علم السودان الذي يُمثِّل الرمز لتلك الوطنية . فإذا كُنا نستهين به بهذا الشكل الفظيع والمخجل، فهل يمكن أن نتشدّق أبداً بوطنيتنا مهما بلغت مبلغاً من التضحية؟! فالمدهش في السودان أن ما يمثل قمة الوطنية لأحدهم يكون خيانة مطلقة لآخر ، لأن المضمون الوطني مختلف وغير موحّد ويتدرج بحسب الإنتماء القبلي أو الحزبي أو حتى المكاني، كذلك الحال في الأعلام والألوية والرايات في هذا الوطن..والغريبة أنه لا يمارس فيها هذا الإمتهان الواضح للعلم السوداني ولا يسمح أحد المنتمين أن يسقط لواء أو علم حزبه على الأرض لكنه يسمح (وإن لم يفعل هو) بسقوط العلم الأصل والأول رغم أنف الألوان الأخرى. إننا بحاجة لأفراد أمن مهمتهم تأمين العلم الوطني من السقوط لأي سبب ولو كان تلقائياً بسبب الريح مثلاً أو التمزُق. و بعد نهاية اللقاءات الجماهيرية والإحتفالات والحملات الإنتخابية أن يتم حَمْله معززاً مكرما ًبذاته ويُحفظ في مكان مُضاء وجيّد التهوية لحين لقاء آخر... وأن تكون هناك عقوبة لمن تسوِّل له نفسه غير الوطنية بالتعامل مع العلم بشكل لا يليق بسيادته وعظمته . حتى وإن تم تعليقه على ناصية سيارة فارهة ومظلّلة . وألا يُطبع على أي نوع قماش أو ورق ، وألا يحمل على أي أعواد عصير أو أسنان أو شواء الخ ...وألا يُمنح حق طباعته لكل من هبّ ، بل لحرفيين وفنانين لإعطاء كل لون حقه الطبيعي في التلوين . و بالضرورة أن تضاف التربية الوطنية كمقرر أصيل في مناهج التعليم الأساسي والثانوي والجامعي وبأيدي المعلمين الوطنيين القُدامى الأصيلين كذلك ، حتى نضمن أن تكون الأجيال الجديدة جنداً لله والوطن فقط لا لأي جيش آخر . وأن يظل علم السودان عالياً مرفرفاً يحمل العبء ويحمي أرضنا...