٭ ربما يذكر المراقبون أن حادثة الانشطار المشهودة التي تعرّضت لها (الحركة السلفية التقليدية)، أنصار السنة المحمدية،والتي كانت بسبب المشاركة المباشرة في العمليات السياسية، فبينما تخندق الشيخ أبوزيد ومجموعته في خندق (عدم جر الجماعة إلى معترك السياسية)، ذهب في المقابل فقيد الجماعة الكبير الشيخ محمد هاشم الهدية، عليه من الله الرحمة والرضوان، إلى المشاركة في العملية الإنقاذية بفرض الإصلاح ما استطاعت الجماعة إليه سبيلاً، فدفع بالأستاذ عبد الله التهامي محافظاً لمحافظة الكاملين، ثم شارك تباعاً فيما بعد الأساتذة، شيخ إسماعيل رئيس الجماعة الحالي، والوزير محمد أبوزيد، وبالضرورة الدكتور يوسف الكودة والذي كان عراباً للعلاقة بين الإنقاذ وجماعة أنصار السنة المحمدية، وذلك قبل أن يتقدم باستقالته ويخرج لتأسيس (حزب الوسط الإسلامي). ٭ غير أن مياهاً كثيرة قد مرت من تحت جسر الأحداث، منذ تلك المفاصلة التي حدثت بين الشيخين الهدية وأبوزيد، التي وصلت درجة التراشق في الصحف السيّارة، فقد ذهب الشيخ الهدية إلى رحمة ربة، وإن لم تحدث عمليات الإلتئام بين المجموعة إلا أن كثيراً من الخواطر قد هدأت، ولم نعد نسمع بتلك المساجلات التي وصلت في يوم من الأيام إلى محاضر الشرطة، وكان من بينها النزاع على المركز العام. بل إن تحركاً كبيراً قد طرأ على قناعات مجموعة الشيخ أبوزيد محمد حمزة، والذي اقتحم السياسة من بعض أبوابها، بل ربما لم يجف مداد بيانه الذي ذهب فيه لمناصرة مرشح الدائرة «13» المستقل الأخ الزميل الهندي عز الدين، ويفترض بهذه الخطوة.. (خطوة شيخ أبوزيد بإتجاه ميدان السياسة)، تكون أشهر أدبيات الخلاف بين المجموعتين قد انتفت، وهذا موضوع آخر، غير أني معنى هنا بمناصرة قطاعات جماعة السلفيين لترشيح المواطن عمر البشير لرئاسة الجمهورية. ٭ فلقد بادرت المجموعة الأولى التي يرأسها شيخ إسماعيل، ويقود أمانتها العامة الأستاذ عبد الله التهامي، بادرت بالخروج إلى الإعلام معلنة في بادئ الأمر مناصرتها لمرشح الرئاسة عمر حسن البشير، وقالت إنها تدعم هذا الترشيح (بمليون كادر ملتزم)، ولكنها لم تكتفِ بذلك، وهي تُلحق تلك التصريحات (ببيان شرعي) مدفوع الثمن في الصحف السيّارة، على أن للجماعة (بيعة ملزمة) في أعناقهم للرئيس البشير لازالت قائمة ولا يجوز النكوص عنها. ٭ ولم يمضِ وقت طويل حتى لحق فصيل شيخ أبو زيد محمد حمزة بمجموعة الراحل الهدية وقال في البيان الذي أصدرته الجماعة، في أن عزوفها عن المشاركة يتيح فرصاً أكبر للذين لا يراعون إلاً ولاذمة للمؤمنين، وأن الأرجح المشاركة ولصالح أفضل الخيارات المتاحة، بل أن الجماعة تدعم المرشح عمر حسن أحمد البشير. ٭ غير أن الجماعة السلفية التي يقودها الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف ومساعدة من أمثال شيخ مدثر وعلاء الدين الزاكي ومحمد عبد الكريم، قد ذهبت إلى مناصرة (القوي الأمين)، فحثّت عضويتها وجمهور المسلمين عامة بالوقوف إلى جانب (القوي الأمين)، ومن كثرة الإشارات والدلالات فإن رمزية (القوي الأمين) تحوم فقط حول المواطن عمر البشير ولا أحد غير البشير. ٭ وإذا أجرينا عمليات (فك وتركيب) بسيطة لمواقف الجماعات السلفية، نجد ليس لديها خياراً غير المشير عمر البشير، فبطبيعة الحال لا يمكن أن تقف إلى المجموعات الطائفية التي ترتكز على المدرسة الصوفية، والتي يمثلها الأنصار والختمية وبقية الطرق الصوفية، كما أن للسلفيين خلاف عقدي كبير مع الدكتور الترابي (صاحب الفتاوى الجريئة) فضلاً عن الشيوعيين والبعثين وملك اليساريين (عرمان الحركة الشعبية). { لقد استفادت (المدرسة السلفية) كثيراً من عهد الإنقاذ الذي أتاح لها حرية غير متوفرة في كل الدول التي من حولنا، وبرغم أن أطروحة الإنقاذ في معظم الأحيان قد احتمت بالمدرسة الصوفية لأجل النصرة، إلا أنها في المقابل لم تضيِّق على الإخوة السلفيين بكل مشاربهم ، خاصة المعتدلين منهم، فلقد تمددت المدرسة السلفية وانتشرت وتكاثرت في عهد الإنقاذ، لدرجة أنها أنشأت الإذاعات والفضائيات المتخصصة، كما لو أن شعار الإخوة السلفيين هو (فقط خلط بيننا وبين الناس) فهذه المدرسة تراهن على خطابها الطوعي الذي تسودن كثيراً ، وفي المقابل تعلم المدرسة السلفية بكل جماعاتها، لو أنها خسرت البشير، ربما تخسر هذه الحرية التي تتحرك بها بين الناس خاصة إذا ما صعد رجل مثل عرمان لمنصات الحكم... والله أعلم.