ما بين عبد الله بن أبي السرح وعمر البشير نقطة التقاء تمتد بينها مساحة التلاقي المفتوح في مسيرة الدعوة الإسلامية في السودان. فالأول هو دخول الإسلام إلى السودان، والثاني هو مشروع الدولة الإسلامية القاصدة. ففي المسيرة رأينا كيف أن الطرق الصوفية قد قطعت الطريق أمام التيار العلماني وبلوغه مقاعد السلطة في البلاد، وكيف أن التيار الإسلامي العريض لا يزال مفهومه قائماً على الدفع بمشروع الدولة الإسلامية، رغم العاديات، وهو مفهوم لم يتزحزح عن قناعات أهل السودان منذ قيام تجربة أول دولة إسلامية في السودان التي هي تجربة دولة الفونج كتجربة مؤسسية تشهدها البلاد ثم تجربة الدولة المهدية. فمشروع توحيد أهل القبلة الذي طرحه الكيان الإسلامي على الأمة السودانية في أوقات سابقة وجد مساحات للتلاقي بين كل هذه المراحل وجمع بينها في عصارة المنهج الحاكم الذي يسود تجربة السودان الآن رغم الآراء هنا وهناك ورغم الإخفاقات والنجاحات فيه. لهذا لم يأتِ من باب المجاملة اللقاء الذي جمع أمس قادة ومشايخ الطرق الصوفية العلماء بمُرشّح رئاسة الجمهورية، المواطن عمر حسن أحمد البشير في الصالة الذهبية بحدائق عبود ببحري، فهو لم يكن تأييداً مبكراً لمُرشّح بقدر ما كان تجديداً للالتزام المشترك بالمضي قدماً في منهج الدعوة ولوائها وفي عدم الحياد عن الطريق الذي توارثه الآباء والأجداد وشكل أركان الدولة. فجاءت نصرة أهل الطرق الصوفية والعلماء للبشير في انتخابات الرئاسة تحت هتافات ورايات وشعارات نصرة مسيرة الدعوة وللإبقاء على منهج طريق الدولة الإسلامية حاكماً أمام دفع علماني يسعى لقطع هذا الطريق تجاه هذا المشروع. ومن هنا يأخذ هذا اللقاء ويكتسب معناه ليؤكد أنه في الاتجاه المعاكس تماماً في المقصد والتوجه والانتماء العقدي لافتراءات أوكامبو وهجوم المتآمرين على السودان. فلقاء الأمس احتشد فيه من قاموا على أمر الدعوة وسبقوا فيه الدولة مع قائد الدولة التي أسست لمشروع النهضة الحضارية ليبقى السؤال المهم هو: هل المفهوم العريض لتوحيد أهل القبلة الذي أسست له الحركة الإسلامية في برنامجها بعد بلوغها السلطة يتبلور الآن ليفتح الطريق أمام الطرق الصوفية بشكل أوسع للتحرك بما يجاوب في ذلك على السؤال المطروح في المجتمع «ماذا إذا ما تحرك الصوفيون وتصوف الحركيون»؟ وللإجابة العملية أيضاً حول دلالات وفحوى هذا اللقاء خصّنا عدد من المهتمين والمشاركين والعلماء ببعض التعليقات هنا. يقول البروفيسور أحمد علي الإمام، مستشار رئيس الجمهورية لشؤون التأصيل، إن اللقاء يحمل مضامين ومعاني مهمة في مسيرة البشير في الترشيح والانتخابات من قطاع قام على خدمة القران عمراً مديداً، فهم جاءوا لأن البشير يحبهم ويحبونه، ويأتي اللقاء تجسيداً وتأييداً لتلك المعاني القائمة على اتباع الحق والدين، وعلى حسن الاختيار وتحمل المسؤولية في النهوض بذلك. فالرسالة الآن ليست للشعب السوداني فقط بل لكل الشعوب الإسلامية والشعوب المحبة للحرية لأن تقف مؤيدة للبشير للمواقف الكبيرة التي قدمها وقام بها في سبيل نصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية. أما مولانا المكاشفي طه الكباشي فقد علق بالقول: إن لقاء القيادة بالطرق الصوفية يدلل على أن هناك جامع يجمعها وهو التوجه الإسلامي الذي تشهده البلاد ونحن نعلم بأن الصوفية هي التي قامت بنشر الإسلام في السودان وبالتالي يأتي اللقاء ليكون البرنامج القادم للإنقاذ في عهدها الجديد هو الطرح الإسلامي والبعد الفكري الصوفي للإنقاذ في مرحلة الديمقراطية والشورى والانفتاح، كما أن اللقاء في معناه هو نوعي، وهذه النوعية تتجسد في أن وراء القيادات قواعد كبيرة لأننا نعلم أن أهل السودان يعشقون الصوفية وفي هذا يأتي الكم الهائل المؤيد الذي سيكون قطعاً صوته للبشير. ولهذا فقد صار لهذا التوجه بُعد جديد في المسيرة القادمة هو الجانب الروحي. إذن نختم بأن تلك هذه هي إشارات تدعو للالتزام والتمسك بشرع الله الحنيف كبرنامج انتخابي ممتد من المسيرة القاصدة والجهد الذي تم في هذا الطريق قبل أن يتبوأ الجميع مقاليد الحكم ومقاعد السلطة القادمة.