رحلت عن دنيانا الفانية ظهيرة يوم الجمعة قبل الماضية الموافق الثاني عشر من شهر ربيع الأول (ذكرى مولد رسولنا الأكرم) الأستاذة نجاة صالح مصطفى، الأمين العام لمنظمة (أبرار لرعاية معاقي الحرب ومكافحة الألغام). والأستاذة نجاة لمن لم يكرمهم الله بمعرفتها، هي إحدى رائدات العمل الطوعي والإنسانى في السودان. وقد كرّست حياتها وصحتها ووقتها ومالها وكل ما حباها الله به من أجل خدمة الضعفاء من المعاقين والفقراء والأيتام والنازحين والدفاع عن حقوقهم لا تبتغى من وراء ذلك سوى رضاء الله ورسوله والرغبة في ما عند الله من الأجر. نشأت الأستاذة نجاة في بيت صلاح وعلم وعِز هيّأها وأعدها لأن تُنذر حياتها لخدمة الضعفاء. لم تكن تغتر بالمال ولا بالجاه ولا بحب الشُّهرة ولا بأي عَرَض آخر من أعراض الحياة الدنيا ؛ ولا أدلّ على ذلك من شهادة من يعرفونها - وكاتب هذه السطور يفتخر بكونه واحداً منهم - بأنها لم تكن تتقاضى على عمل الخير الذي كان يستغرق كل وقتها وصحتها وتفكيرها قرشاً واحداً. بل كانت تحتسب كل ذلك وتدخره لدار البقاء التي اختارها الله لجواره فيها. كانت الأستاذة نجاة مثالاً حياً للفضائل. كانت متواضعة، ليّنة الجانب، سخية، بشوشة في وجه جميع الناس، (خصوصاً ذوى الحاجة منهم). كانت رحمها الله، شُعلة من النشاط والحماس والطاقة الخيرة. لا تُثنيها العقبات ولا المصاعب عن أداء رسالتها النبيلة. عرفناها فعرفنا فيها أمّاً حنوناً وأختاً كبيرة شفيقةً بكل الناس، ضعيفهم قبل قويهم، وفقيرهم قبل غنيهم، وعليلهم قبل صحيحهم ، وصغيرهم قبل كبيرهم. عرفناها فعرفنا فيها الإحسان إلى من أساء والترفُّع عن الصغائر وحب الخير لكل الناس حتى أولئك الذين لم يحبوه لها ممن أشقاهم الله بداء الحسد والغيرة. عرفناها لا تفرِّق بين الناس، تبر القريب والبعيد، المسلم والمسيحي، والصغير والكبير. كنت أغشى معها مكاتب المسؤولين ممن تقصدهم لكي يعينوها في مساعدة الضعفاء، فنلقى أحياناً عنتاً وتأخيراً من صغار الموظفين. لم تكن تقابل ذلك بالتأفُّف ولا الضجر. ولم تكن لتوظِّف اسم أسرتها الكبيرة أو الصغيرة لتستعلي أو تتكبّر على أحد، بل كانت تقابل جهلهم بالحُلم الجميل والأدب الرفيع. أكرمنى الله وآخرين برفقتها في السفر إلى كولومبيا من أجل حضور (قمة كارتهينا) من أجل عالم خالٍ من الألغام في نهاية العام المنصرم، فرأيت من حُسْن خُلُقها وجدِّها في السعي من أجل خدمة المُعاقين وضحايا الحروب عجبا.ً رأيتها تعمل وتصل الليل بالنهار كي تجتلب دعماً لخدمة المُعاقين ولكي ترفع من شأن هذا الوطن. لم تكن أبداً ممن يسافرون في مثل هذه المناسبات لكي يتسوّقوا ويُمتعوا أنظارهم بالفُرجة وما أكثرهم!. رحلت الأستاذة نجاة وخلّفت في قلب وروح كل من أكرمهم الله بمعرفتها فراغاً لا يُسد. (وما كان فقْدُها فقد واحدٍ ولكنه بنيانُ قومٍ تهدّما)!! عزائي، بل كل الذين سعدوا بلقائها والعمل معها، أنّ كل معاقٍ أعانته، وكل يتيم واسته، وكل مريض ساعدته، وكل مِعْوز قضت له حوائجه. يذكرها ويدعو لها بالخير. صدقة جارية إلى ما شاء الله. عزاؤنا أيضاً أن الله أكرمها بذريّة صالحة وزوج هم خير أهل يدعون لها ويواصلون مسيرتها من أجل خدمة الإسلام والوطن. ونحن في منظمة (أبرار) قد عاهدنا الله ألاّ نقطع حبلاً كانت تصله، ولا نتوانى عن معروف يقدرنا الله على أدائه وما نحسبها كانت لترضى منا بغير ذلك. اللهم إن الأستاذة نجاة صالح، أمة من إمائك نحسبها وأنت حسيبها من عبادك الذين أنعمت عليهم بالخير وحبه وحبك وحب رسولك «صلى الله عليه وسلم». اللهم تقبلها عندك، وأبدلها داراً خيراً من دارها، وأهلاً خيراً من أهلها واجمعنا وأهلها بها وبنبيك الكريم في دار السلام والمقام العزيز وأنت على كل شيء قدير. اللهم آمين. { مدير مركز المعلومات و الدراسات الخاص بضحايا الألغام والأشخاص ذوي الإعاقة منظمة أبرار