حَظَيَ موضوع الرقابة الدولية للانتخابات بقدر كبير من الجدل في الآونة الأخيرة بين مؤيِّد ورافض لهذا النوع من الرقابة على الانتخابات، والجدل يتركز في البُعد الدولي لهذه العملية، حيث رفضها بعض الدول انتقاصاً من سيادتها وشكلاً من أشكال التدخل في الشؤون الداخلية. في حين تنظر بعض الدول الى أمر الرقابة على أنه فرصة مهمة لإطلاع العالم على المسيرة الديمقراطية في الدولة المحددة. وهناك دول أخرى تنظر الى أمر الرقابة كوسيلة للحصول على بعض أشكال المساعدات. ولكن في واقع الأمر فإن الرقابة الدولية على الانتخابات أصبحت من المسلَّمات خصوصاً في ظل العولمة وما فرضته من إلغاء للحدود، حيث لم يعد ما يحدث في الدول شأناً داخلياً. وتبرز أهمية الرقابة الدولية في ضوء الضغوط التي تفرضها القوى الكبرى على الدول النامية في ما يتعلق بضرورة وأهمية وجود رقابة دولية على الانتخابات كآلية لضمان النزاهة الانتخابية وتحقيق الديمقراطية. برز مفهوم الرقابة الدولية على الانتخابات في العقد الأخير من القرن المنصرم. وتعرف بأنها تلك العملية الهادفة الى إطلاع المجتمع الدولي على العملية الديمقراطية في الدولة المعنية، وذلك بناءً على طلب الدولة المعنية بهدف الوقوف على مدى اتفاق العملية الانتخابية مع المعايير الدولية للديمقراطية ومدى تعبيرها عن إرادة الشعوب. ويتم هذا الدور الرقابي من خلال مجموعة من اللجان الحكومية أو المنظمات الدولية مثل الأممالمتحدة علاوةً على بعض المنظمات غير الحكومية. وتطور الدور الرقابي للمجتمع الدولي على الانتخابات في الدول المختلفة منذ سبعينات القرن العشرين وحتى الآن. لكن فكرة الرقابة الدولية على الانتخابات ليست فكرة قديمة فهي حديثة نسبياً إذ بدأت من خلال دور الأممالمتحدة في إرسال مراقبين دوليين الى بعض المناطق في العالم، وذلك في إطار برنامج الأممالمتحدة في مساعدة الشعوب المستعمرة على الاستقلال، وقد أخذ دورها أشكالاً عديدة مثل الاستفتاء الذي نُظِّم وأدى الى استقلال البحرين، وإنهاء المطالب الإيرانية في المنطقة، إضافة الى دور الأممالمتحدة الذي تبلور في بدايات التسعينات من القرن العشرين، ففي عام 1990م قامت بمراقبة الانتخابات في هاييتي، وفي عام 1992م قامت المنظمة الدولية بإنشاء جهاز خاص لمراقبة الانتخابات ومساعدة الدول الراغبة لضمان نزاهتها وعدالتها ومصداقيتها، وفي نفس العام قامت الأممالمتحدة بإرسال بعثة الى جنوب أفريقيا في الانتخابات التي جرت عقب نهاية النظام العنصري فيها، وبعده قامت بإرسال بعثة أخرى لمراقبة استفتاء ناميبيا، وفي عام 1993م شاركت الأممالمتحدة في تنظيم الانتخابات في كمبوديا، وفي عام 1994م قامت بمراقبة الانتخابات في موزمبيق، وأشرفت على الاستفتاء الذي تم في تيمور الشرقية، كما أشرفت على الانتخابات في العديد من المناطق التي شهدت نزاعات مسلحة في إطار ما يعرف بعملية (بناء السلام) ومن بينها إقليم كوسوفو وجمهورية البوسنة والهرسك وليبريا وسيراليون. وهنالك خمسة عناصر تحددها الأممالمتحدة ليتسنّى لها القيام بدورها في مراقبة الانتخابات، وهي أن تتلقّى الأممالمتحدة طلباً رسمياً من الدولة المعنية، إضافة الى وجود دعم عام عريض لمشاركتها، علاوةً على وجود وقت مسبق كافٍ للمشاركة الشاملة من قبلها، إضافة الى وجود بُعد دولي واضح في الحالة، أو صدور قرار من إحدى هيئات الأممالمتحدة مثل (الجمعية العامة أو مجلس الأمن). وتطور العمل في الرقابة ودخلت فيه دول أخرى منها الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي قامت بإنشاء معهد واشنطن للديمقراطية المتخصص في صياغة قوانين الانتخابات وتدريب الكوادر وإرسال فرق لتدعيم النُظُم الديمقراطية لتحل محل نظام الحزب الواحد في أفريقيا، الأمر الذي أدي الى قبول التجربة الديمقراطية في بورندي في عاميْ (1992 - 1993م)، وبعدها برز دور الاتحاد الأوربي في الإشراف على العملية الانتخابية، وقد جاء لاحقاً على الدور الأمريكي في هذا الشأن، وبرزت مجموعة من المنظمات الدولية غير الحكومية ذات الطابع الدولي تتولّى مهمة الرقابة، من بينها المعهد الدولي الديمقراطي واتحاد الدول الكونفدرالية وبعض المنظمات التابعة للاتحاد الأوربي والاتحاد السويسري ومركز كارتر لحقوق الإنسان واستبعاد المعاناة، الذي يرأسه الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، إضافة الى المؤسسة الوطنية الديمقراطية للشؤون الدولية وهي منظمة غير حكومية في واشنطن ترأسها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت. وتمر الرقابة الدولية على الانتخابات بعدة مراحل حيث يكون أولها التأكد من أن إجراءات العملية الانتخابية تتَّسم بالحياد والعدالة والمساواة بين المُرشّحين في الظهور في وسائل الإعلام المختلفة، والتزام أجهزة الدولة بالحياد التام تجاههم وتوزيع الفرص لهم بشكل متساوٍ، وتليها مرحلة التأكد من أن العملية الانتخابية تسير وفقاً للقواعد المقبولة والمتعارف عليها دولياً، والتأكد من أن الانتخابات تعقد في جو حُر وسليم. وتشمل هذه المرحلة التأكد من سلامة جدول الانتخابات، وعكس الحجم الفعلي للناخبين، وعدالة توزيع اللجان الانتخابية، وعدم حدوث تزوير أثناء العملية، والتأكد من أن الصناديق الانتخابية مطابقة للمواصفات. بينما تكون المرحلة الثالثة والأخيرة هي مرحلة تقييم العملية الانتخابية ومدى تعبيرها عن القواعد والمعايير الدولية للنزاهة والشفافية في الانتخابات، ومدى تعبيرها عن إرادة الشعوب، حيث تقوم اللجنة الدولية بإعداد تقرير توضح فيه تقييمها للانتخابات. والتقرير غير ملزم دولياً ولكنه يشكِّل نوعاً من المكانة الدولية للدول موضع الرقابة الدولية على الانتخابات فيها. يذكر أن قانون الانتخابات في السودان قد نصَّ على أحقِّية الدول والمنظمات التي شاركت في تحقيق السلام وتوقيع الاتفاقية المشاركة في مراقبة الانتخابات، باعتبار أن الرقابة الدولية من قبل المنظمات الدولية والإقليمية تعتبر ذات أهمية، حيث تكفل الشفافية اللازمة والمصداقية المطلوبة، وتساعد في تدريب الكوادر العاملة في الانتخابات، وتوفير المراقبين الدوليين المشهود لهم بالكفاءة. وقد تقدم مركز كارتر المتخصص في مراقبة الانتخابات من قبل بطلب لمراقبة الانتخابات في السودان وتعهّد بتدريب (3000) ثلاثة آلاف مراقب، علاوةً على الاتحاد الأوربي وغيره من المنظمات الدولية الأخرى المهتمة بشأن الانتخابات في العالم. وفي ذات الاتجاه قالت المفوضية القومية للانتخابات من قبل إنها قامت بتدريب (مائة وعشرين ألف) موظف بالمفوضية يتم توزيعهم على (عشرين ألف) مركز اقتراع بالبلاد فى الأيام القادمة، إضافة الى إعلان المنبر الوطنى لمنظمات المجتمع المدنى للديمقراطية عن مشاركته فى مراقبة الانتخابات بثلاثة آلاف مراقب، علاوةً على منظمة المنتدى المدني القومي، وهي منظمة سودانية تقوم بمراقبة الانتخابات لتأكيد حريتها ونزاهتها، وقد أقامت المنظمة حوالى (20) دورة تدريبية شارك فيها (507) متدربين بدعم من مركز كارتر والاتحاد الأوربي. وقالت المنظمة إنها تسعى لتوفير (200) مراقب محلي في كل ولاية من ولايات السودان ال(25) ولاية. وقد شهدت الفترات الأخيرة بروز حالات من العنف عقب الانتخابات التي شهدتها كل من كينيا وإيران، وحتى لا تتكرر هذه المأساة في السودان يجب على جميع الفرقاء السياسيين السودانيين الاتفاق على ميثاق شرف انتخابي يجنِّب البلد ما حدث في كينيا وإيران.