تنعقد أواخر مارس الجاري القمة العربية في ليبيا، ومن الغريب أن هذه هي أول مرة تستضيف فيها ليبيا قمة عربية.. ومصدر الغرابة أن ليبيا الجمهورية.. الجماهيرية في ما بعد ظهرت للوجود في سبتمبر 1969م عربية مسرفة في عروبتها.. وكان من شعاراتها الأثيرة الحرية والاشتراكية والوحدة.. أي الوحدة العربية.. وكان أحد ألقاب الرئيس الليبي معمر القذافي هو (أمين القومية العربية).. وقد نُسب إلى رائد القومية العربية في النصف الثاني للقرن العشرين الرئيس المصري جمال عبد الناصر قوله إن معمر القذافي يذكّره بشبابه.. وقبل وصول العقيد القذافي وزملاؤه إلى السلطة في ليبيا في سبتمبر 69 وصل إليها في السودان ضباط شباب مثلهم أو أكبر قليلاً بقيادة العقيد جعفر نميري. ووصل إليها الإثنان عن طريق الإنقلاب العسكري لكنهم سمّوه في السودان ثورة مايو وفي ليبيا ثورة الفاتح من سبتمبر.. وبالثورتين عادت الحيوية إلى الأمة العربية بعد هزيمة جيوشها المهينة في حرب يونيو 1967م. والقائل هو الرئيس عبد الناصر فقد كان يقول في كثير من خطبه عامي 69 و70 في القاهرة وليبيا والسودان: ليس أدل على حيوية الأمة العربية من قيام ثورة مايو في السودان وثورة سبتمبر في ليبيا. وكان الأستاذ هيكل متعاطفاً مع الثورة الليبية وقيادتها.. وكان بارداً في كتاباته عن السودان وثورته.. وعن نميري، وكان واضحاً أنه لا يستلطف جعفر نميري.. لا لأن الرئيس نميري ضرب الأستاذ هيكل في الطائرة في وجود عبد الناصر كما زعم أحد الصحافيين السودانيين، وإنما لأسباب أخرى. وكان واضحاً أيضاً أن الرئيس نميري لا يستلطف الأستاذ هيكل.. لكن حصر العلاقة بين الرئيس السوداني والصحافي المصري في عدم الاستلطاف المتبادل تعامٍ عن حقائق أخرى حكمت العلاقة بينهما. وفي حياة عبد الناصر الذي هو مثل أعلى وأستاذ للرئيسين الشابين نميري والقذافي كانت العلاقة بينهما طيّبة أو معقولة.. ثم بعد موت الأستاذ في سبتمبر 1970م ساءت العلاقة بينهما. لكن كان غريباً ألا تستضيف ليبيا إحدى القمم العربية وما أكثرها في تلك الفترة.. وفي كل قمة عربية اعتدنا أن نقول إنها بشكل ما مثل جامعة الدول العربية.. تعكس حالة الواقع العربي الشعبي والرسمي.. فعندما يكون الواقع قوياً مزدهراً طامحاً تخرج القمة بقرارات كبيرة مفيدة تاريخية. وعندما يكون ضعيفاً مهلهلاً بائساً فإن الناس حتى أولئك الذين لا يعرفون سوى التفاؤل لا يتوقعون أن يتمخض عن القمة العربية شيء ذو بال!!. ورغم ذلك فإن انعقاد القمم العربية أفضل من عدم انعقادها.. أليس كذلك؟!