عندما وصل العقيد معمر القذافى إلى الحكم فى ليبيا مطلع سبتمبر 1969م، كان العالم منقسماً إلى معسكرين رئيسيين، هما المعسكر الرأسمالي الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية، والمعسكر الشيوعي الذي يتزعمه الاتحاد السوفيتي. وكانت هناك كيانات مهمة خارج هذين المعسكرين منها الصين ومنها حركة عدم الانحياز. وكان العالم العربي أيضاً منقسماً إلى معسكرين رئيسيين.. تقدمي بزعامة مصر وكان اسمها الرسمي هو الجمهورية العربية المتحدة، ومحافظ تقوده المملكة العربية السعودية. وكان هذا الانقسام من أسباب ضعف الأمة العربية وتبديد كثير من مواردها، وكان بالتالي من أسباب هزيمتها في حرب يونيو 1967م، رغم أن كثيراً من جيوش هذه الأمة لم تشترك في هذه الحرب. ولم تلغ المصالحة المصرية السعودية - التي تمت في الخرطوم في أغسطس 67 - ذلك الضعف، لكنها خففته، فما زال العالم العربي بعدها منقسماً إلى نفس المعسكرين، وإن اختفت الحرب الإعلامية بينهما وكانا يتبادلان نفس الهواجس والكراهية والتآمرات. وفي ظل تلك الظروف حدث انقلاب عسكري في ليبيا على نفس النسق الذي حدثت به الانقلابات العسكرية السابقة، وكان أشهرها الانقلاب الذي نفّذه الضباط الأحرار في مصر في 23يوليو1952 وقاده المقدم جمال عبدالناصر، وكان أحدثها في ذلك الوقت من عام 69 الانقلاب الذي نفذه الضباط الأحرار أيضاً في السودان بقيادة العقيد جعفر محمد نميري. وكان يقود الانقلاب العسكري الليبي العقيد معمر القذافي، وكان عمره 27سنة، وفرح الشارع العربي الثوري التقدمي بالانقلابين الجديدين، السوداني والليبي، ونشأت علاقة خاصة بين الدول الثلاث مصر والسودان وليبيا، وكان عبدالناصر الذي حطمته هزيمة يونيو 67 في قمة سعادته بهذين الانقلابين وبهذين الرئيسين الشابين اللّذيْن رفعا شعارات الحرية والاشتراكية والوحدة، وكان يقول إنه ليس أدل على حيوية الأمة العربية من قيام ثورة مايو في السودان وسبتمبر في ليبيا، لكن العلاقة القوية التي نشأت بين ومصر والسودان وليبيا لم تدم طويلاً، فبعد عام من الانقلاب الليبي مات الرئيس المصري جمال عبدالناصر وخلفه محمد أنور السادات، وبينما كانت العلاقة الشخصية بين السادات ونميري معقولة إلى حدٍ كبير وإن تخللتها بعض الأزمات، فإن علاقة القذافي مع نميري والسادات لم تكن أبدا على ما يرام.