{ زمان.. وحتى وقت قريب كنت أظن - أو هكذا ينبغي - أن قبيلة الشعراء لا تستوعب إلا أصحاب الإحساس المفرط والمفردة الحسّاسة والمشاعر الرقيقة التي يمكن أن تجرحها همسة، وكنت أعتقد أن الشاعر هو الشخص الوحيد الذي يؤمن بمقولة «من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر».. وهذه القناعة لم تتولد لديَّ من فراغ، ولكن لأنني شاهدت واستمعت لنماذج كُتبت من شعراء زادُهم المحبة وشرابهم الطيبة وسلامهم الابتسامة، ومن هؤلاء الشاعر الرقيق اسحق الحلنقي والشاعر التجاني حاج موسى والأستاذ مختار دفع الله والجميل محمد علي أبو قطاطي، وبالطبع سمعنا ما سمعنا عن رقّة وعذوبة اسماعيل حسن وحسين بازرعة وعبد الله النجيب وغيرهم ممّن لم ألتقيهم وجهاً لوجه، لذلك كانت صدمتي عظيمة وكبيرة وأنا أطالع تصريحات الشاعر «محمد يوسف موسى» في حق الشاعر الكبير «محمد علي أبو قطاطي»، وهي تصريحات بألفاظها ومحتواها يمكن أن تصدر من تاجر سلاح هوايته تعليب القنابل ونظم أحزمة الرصاص، لكن من شاعر هي قطعاً مفاجأة أو ربما أنها كذبة أبريل جاءتنا تسعى قبل أوانها. { وقبل الخوض في الحديث والاستغراق في الدهشة أقول إن حديث محمد يوسف موسى عن استجداء الشاعر أبو قطاطي للعون والدعم، هو حديث لا علاقة له بالحقيقة، إذ أنني أنا من بادرت بالذهاب الى منزل الشاعر الكبير بكرري العجيجة، وكانت قبلها بيننا (تلفونات) عديدة خلقت محبّة ومعرفة حتى قبل أن نلتقي، لكن عند ذهابي إليه تفاجأت بالمِحنة الحقيقية التي يعيشها أبو قطاطي، وهو موقف إنساني كان يمكن أن أحسه نحو أي شخص آخر، لكنه بالطبع تضاعف وكبُر وعظُم وهو يخصُّ رجلاً ذا قيمة وشاعراً كبيراً ورقيقاً مثل أبو قطاطي، ويشهد الله أن الرجل حتى الآن لم يطلب مني أن أسأل له فلاناً أو علاناً، وأنني ما وجدته أو حدثته إلا وهو حامدٌ وشاكرٌ ويتحدث بالخير والمحبة عن من زاره أو لم يزره، ويشهد الله أنني تبنيت علاج أبو قطاطي بمبادرة منّي كنت أقصد منها أن ألفت نظر الدولة إلى شريحة مهمة من المبدعين الذين تلفّهم طاحونة الحياة وهم مستغرقون في منحنا أبياتاً من الروعة وألحاناً من الجمال، لذلك اندهشت أن يوجّه الأستاذ محمد يوسف موسى هذا الهجوم المريب نحو أبو قطاطي، ويقول: لماذا أبو قطاطي؟ وكأنّه يتهمه بالتسول واستجداء الناس، وأنا أقولها لأنني كنت داخل الحدث لم يطلب مني أبو قطاطي أن أكتب عن محنته، بل أنا من بادرت بذلك، ولن أنسى كلماته لي وهو يحس بتأثري وألمي: (أنا الصبر سيدُه). { أليس من حقي وحقكم أن تندهشوا وتخرجوا ما في أحشائكم، ورجلٌ يرأس اتحاد الشعراء السودانيين، بمعنى أنه المناط بالدفاع عن حقوقهم واستيعاب مشكلاتهم واحتواء خلافاتهم.. أن يكون بمثل هذا المستوى من الألفاط الغريبة والعجيبة والشتيمة الشخصية ومحاولة إحراق تاريخ أبو قطاطي وتصفية الحسابات معه على صفحات الصحف، لأنه لمن يزره يوم أن انكسرت «كراعه»..! «معقولة» أن رجلاً اختاره الشعراء ليتقدّمهم ويمثلهم.. يمثِّل بكبيرهم ويصفه بعبارات لا تليق، وإيحاءات وإيماءات يعفُّ اللسان عن ذكرها؟ بالمناسبة كنت دائماً أسأل نفسي عن (الكلمة) التي قالها محمد يوسف موسى لمحبوبته وفرقت بينهما في قصيدته «كلمة» التي يغنيها الأستاذ صلاح بن البادية، وكنت أقول في نفسي يا ل (هيافة) هذه المحبوبة أن تترك حبيبها لكلمة هي مؤكد كلمة (هايفة) ولا تستحق، لأن أمثال محمد يوسف موسى لا ينطقون إلا درراً وياقوتاً.. لكن، وبعد أن عرفت أسلوبه الذي يتحدث به وألفاظه التي يستخدمها، وجدت لها العذر وعرفت سر الكلمة الذي ظل يؤرقني لسنين طويلة. كلمة عزيزة قرأت بأحد المواقع الإلكترونية أن مسرحية «داير شنو» لفرقة تيراب بالاشتراك مع الممثل المصري أحمد بدير ستُعرض في القاهرة، وبما أن المسرحية فشلت في السودان، والموسم الصيفي في القاهرة مزدحم بمسرحيات لسمير غانم وعادل إمام وغيرهم.. مما يجعل فرصة المنافسة معهم منعدمة.. من حقي أن أسأل طاقم المسرحية (إنتو بالظبط دايرين شنو)؟ كلمة أعز بما أن الصيف ساخن أرجو أن «يحلحل» بعضاً من جمود المذيعة لوح الثلج!!