{ ميْلان حاد في طريق صحة الأمومة والطفولة في السودان يزلق الأحاديث السياسية سريعاً نحو منحدر الحقيقة المُرّة التي تؤكد الأرقام الحقيقية لوفيات الأمهات في السودان، لتظهر بوضوح الصورة التي يريد المسؤولون إخفاءها وإظهار صورة جميلة لا علاقة لها بما يحدث. { وما يحدث في السودان هو عدم توفر العناية اللازمة بصحة الأمومة التي تبدأ منذ الشهر الأول للحمل وحتى الستة أسابيع اللاحقة بعد الولادة، فترة (النُفاس)، لذلك سعت منظمة الصحة العالمية للفت انتباه السودان ناحية هذا الخطر المتجاهل جداً والمغطى بدعاوى لا علاقة لها بالمشكلة الأساسية كأن يبرر ذلك بعدم توفر المعينات لهذا سعت الحكومة لتكوين عدد من اللجان منها القومي ومنها الولائي وبرئاسة السيد والي الخرطوم للتحقيق والتحقق في أية حالة مفردة من حالات وفيّات الأمهات. { فموت الأم يعتبر موتاً للأسرة وبالتالي للشعوب، لهذا أصبح الاهتمام بصحة الأمومة يعتبر من الأولويات السياسية للدول وليس الاجتماعية أو الفلسفية فقط.. { كما أن الطب يعتبر موت الأم غير مقبول باعتبارها شخصاً بالغاً ومكتمل الأجهزة وليس كالأطفال حديثي الولادة مثلاً.. لهذا يمكن تدارك أسباب الوفيّات فيها. { ويعتبر النزيف قبل ويكون مصاحباً لوفاة الجنين أو بعد أو أثناء الولادة من أكثر الأسباب شيوعاً لوفيّات الأمهات في السودان، يأتي بعده الالتهابات (إنتان الدم)، وغالباً ما يحدث في فترة النفاس ويتعلق بعملية الولادة وتعقيمها أو تطعيم الأم ضد التتانوس. { وأسباب أخرى تتعلق بأمراض تعاني منها الأم مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، ...إلخ.. وأسباب غير طبية كأن تتوفى الأم في حادث مروري أو أحداث شغب أو سقوط.. لكنها تدخل في التعريف بوفيّات الأمهات. { إن الإجراءات المتبعة بعد حدوث الوفاة التي تتعلق بإخطارالطبيب منسق الجودة، الذي يقوم بإخطار المدير الطبي للمستشفى، الذي بدوره يخطر مدير المستشفى، وهكذا حتى يصل الخبر إلى وزير الصحة واللجنة المكلفة بوفيّات الأمهات. { إجراءات أخرى طويلة جداً فقط لتقصي أسباب الوفاة، وتحتمل أحياناً الذهاب الى منزل المتوفاة إذا دعى الأمر!! { والأمر، كما أسلفت، مقلق جداً وأصبح من المهددات الإنسانية التي لا تقل في خطورتها عن الأوبئة وحصاد الألغام للأرواح والحرب.. والتصدي له أيضاً مقلق جداً وله أسبابه المتعلقة بإخفاء المعلومة وضعف النظام الإحصائي الدقيق والجهل التام بأهمية التبليغ حين حدوث حالة وفاة بالذات في المناطق الطرفية والبعيدة عن المركز التي تفتقر كذلك لأوليّات الرعاية الصحية الما قبلية. { ناهيك عن توجيهات الدولة مؤخراً بتحسين الصورة عن البلد لدعاوى الاستهداف الخارجي مما يحتم على الضمير اللاسع أن يحول دون ذكر مثل هذا الإخفاق الكبير وتحويله الى التسليم بالقضاء والقدر. { لا شك أن الإيمان بالقضاء والقدر ودوره في الحياة والموت من مسلّمات وأساسيات الإيمان، وهذا لا مجال لإنزاله في نقاش وكتابة، لكن المحافظة على هذه الحياة خيار متروك للبشر لتأكيد ذاك الإيمان و(المؤمنُ القوي خيرٌ من المؤمنِ الضَّعيف). { إن تحويل الأمهات السودانيات الى مجرد أرقام على شاشة جهاز حاسوب في وزارة أو منظمة صحة أمر مخجل للجميع؛ المسؤولين بكل مناصب مسؤولياتهم التنفيذية والتشريعية، والمواطنين بكل مواقع انتظارهم للأخبار والمواليد.. لهذا فإن السيطرة على ارتفاع نسبة الوفيّات أمر غير متروك للبعض دون الآخر أو لوم جهة دون أخرى. { إنها جهود متضافرة وسلسلة ذات حلقات متماسكة تبدأ منذ معرفة الأم بحملها وحرصها بتوعيتها بحقها في الرعاية في الحصول على التطعيم والمتابعة المجانية وحتى توفير الإسعاف من الجهة الصحية التابعة لها في حال حدوث شيء ما. (يتبع)