والأشياء تبدو دائما جيدة من على بعد يسير منك لكن اذا اقتربت أكثر فإنك ستفاجأ بالتفاصيل التي قد تبدو كذلك مزعجة حد ابتعادك مرة أخرى ! وتفاصيل الإجراءات المتبعة لإسعاف جنين توفيت أمه وهي تضعه وما زال هو على قيد الحياة.. محزنة وتصيب بالغثيان! فعلميا يظل الجنين حيا داخل بطن الأم لفترة تتراوح بين 15 دقيقة و حتى ساعتين في بعض الأحيان..لكن هل يستطيع طبيب ما القيام بإجراء سريع بشق بطن الأم - وبدون تخدير طبعا نسبة لموتها-لإنقاذ حياة الجنين؟ أم يخرج لإخطار زوجها أو أهلها بوفاتها أولا ثم أخذ إذنهم بفتح بطنها لإنقاذ الجنين؟ أم يقف عند حد إخطارهم وترك الجنين حتى لا يتهم من قبل ذوي الأم بأنه السبب في الوفاة عند رؤيتهم لجرح البطن!!؟ فمن يمكنه - في بلد عاطفي جدا - امتصاص صدمة وفاة أم وتقرير الإذن بإجراء اسعاف لحياة الجنين في حدود الزمن المتعارف عليه علميا؟؟ ألم أقل لكم انه شيء يدعو للغثيان !! لذلك فإن معظم حالات وفيات الأمهات مستصحبة بوفيات الأطفال حديثي الولادة.. لأن إنقاذهم متوقف بإقرار وليس قرارا قانونيا من وزارة الصحة أو حتى قرارا فقهيا او دينيا.. بإنقاذ حياة الطفل دون الرجوع إلى الأهل المفجوعين بنبأ وفاة الأم! جميعنا يتهم ودوما وزارة الصحة ومنسوبيها في ما يتعلق بأمور المحافظة على حياة المرضى بإهمالهم الرعاية السريرية أو فقدانهم لمنقذات الحياة الأولية والتي يجب توفرها داخل أي مركز صحي صغير ناهيك عن المستشفيات الكبرى - وهذا من الأمور المعقدة والفاضحة هذه الأيام!-. لكن وفيات الأمهات بالذات يدخل فيها الجانب المدني بشكل كبير نسبة لضرورة الوعي بالفحص والمتابعة للأم الحامل لمعرفة المشاكل الصحية المتعلقة بحملها بدءا من الأمراض المصاحبة للحمل ومرورا بمشاكل نمو الجنين والتي تؤثر كذلك في نسب الوفاة لدى الأمهات. إن التوعية في هذا الأمر بالذات تأتي في مقدمة الحلول لمشكلة وفيات الأمهات وقبل أي إجراء آخر ...لأن من المشاكل المصاحبة له هو الأمية والجهل المنتشر في مناطق عديدة وقريبة جدا من المركز -الخرطوم- بالتالي فإن معظم الأمهات لا يستطعن قراءة ملصقات التوعية الصحية للأم في التغذية والمتابعة وتباعد الولادات..الخ والتي تقوم الوزارة بإلصاقها لإبعاد شبهة عدم نشر التوعية الصحية للأفراد. لذلك فإن استخدام الوسائل الأخرى المرتبطة بالجمهور أكثر وبالأمهات بشكل مباشر هي الحل الأمثل لرفع الوعي الصحي للأمهات...بجانب المنافذ الدينية - كالجوامع - لتوعية الأزواج والآباء بضرورة الكشف والمتابعة، بعض المناطق والقبائل في السودان ترفض بشكل قاطع المتابعة للأم الحامل لأسباب تتعلق بالعيب في الموروث الشعبي! إن محاولة الحفاظ على حياة الأمهات في السودان محفوفة بتحديات كبيرة جدا تبدأ بتغيير الكثير من العادات والتقاليد الضارة بصحة الأم قبل الجنين وتغيير المفاهيم الخاطئة عن الرعاية الصحية للحوامل وتغيير النظرة الاتهامية للطبيب في السودان بأنه من أهم أسباب الوفيات لأي حالة وبالذات الأمهات! وتغيير- بشكل مؤثر- نظام الرعاية المجانية لأي أم حامل داخل المؤسسات الصحية الحكومية. وبالضرورة تنفيذ سياسة الوضوح من الوزارة والدولة في كل ما يتعلق بصحة الأمومة والطفولة لضمان مساندات المجتمع المدني لها، فكما ذكرت فإنه جهد متكامل من الجميع بدون فرز، وحتى نستطيع بقوة ايماننا وجهدنا المثابر تحويل أمهات السودان الى صور ناطقة وليس مجرد ارقام صامتة وباردة...وحتى نتمكن من الحفاظ على بيضة الأمومة في وطن مليء بحجارة التردي الصحي !