مبادرة الإنسحاب المشروط من السباق الرئاسي لصالح مرشح المؤتمر الوطني المشير عمر البشير، التي طُرحت على القوى السياسية، بدأ التداول حولها في الكثير من المناسبات، وهي مبادرة ربما أوجدتها الظروف السياسية الضاغطة والتي تدفع في اتجاه لا يعلم أحد نهايته، ومع أن فكرة تأجيل الإنتخابات هي الأخرى تظل فكرة تائهة في عتمة المشهد السياسي وما يجعلها أكثر توهاناً فوق المطالبة بها من قِبل القوى السياسية، هو قطع الطريق أمامها بحديث الدكتور نافع على نافع: (تأجيل إنتخابات مافي.. والميس قرّب والفتر يمرق)، وعلى الرغم من ذلك فقد أنفقت الجهات المتنافسة أموالاً مهولة منذ بداية الحملات الإنتخابية، كما أنفق المجتمع الدولي أموالاً مماثلة وأصبح الجميع مهيؤون للسباق الإنتخابي، ولم يعد هناك سبيل إلى التراجع عنه. ولذلك تظل المعادلات السياسية بلا نتيجة محددة وربما تخوض المعارضة الإنتخابات على علاّتها المظنونة، وفي حالة تركيز العمل في ذلك الإتجاه ستتغير كثير من الموازين حسب رأي البعض، وتظل كثير من الأسئلة في حالة بحث دائم عن الأجوبة داخل أروقة الأحزاب وخارجها، فهل ستنجح مبادرة الإنسحاب من الترشح الرئاسي للبشير لتحظى الأحزاب بالدعم وتمويل حملاتها الإنتخابية على المستويات الأخرى وتجد مساحاتها للفوز في المجالس التشريعية ومناصب الولاة في جولات حرة ونزيهة؟ وهل يمكن تصنيف مبادرة الإنسحاب بأنها مجرد صفقة، أم تأخذ شرعيتها بحكم الإجماع السياسي حولها مع الأخذ في الاعتبار أن أحد الأحزاب العتيقة وافق مبدئياً على الحوار حول المقترح كما رشح من معلومات؟!. الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر استبعد الموافقة على هذه الخطوة رغم أنها تبدو عملية وقال ل(الأهرام اليوم) نحن قطعنا مشواراً طويلاً في العملية الإنتخابية ومن الصعب أن يتفق الناس على مبدأ بهذا الخصوص إلا في إطار وضع انتقالي، وأضاف أن الانسحاب يخضع لاشتراطات كبيرة ولكن الدعم المادي والتمويل للأحزاب هو مطلب مشروع وإذا أجمعنا حول البشير نكون بذلك قد كررنا التجربة وأعدنا إنتاج الأزمة، وشدّد على أن الخروج من الأزمة سيكون بالحكومة القومية لتفادي المشاكل بخصوص السجل والخروقات الأخرى، وحول التنازلات والدعم الذي ستُحظى به الأحزاب، يؤكد كمال عمر أن المؤتمر الوطني ليس لديه استعداد لتقديم أي تنازلات وقد صرف المليارات في دعايته الإنتخابية، ويضيف أنه على القوى السياسية أن تشتغل في هذا المناخ وتهيئ عضويتها لخيارات أخرى مثل خيار الإنتفاضة لأن الإنتخابات على حسب تعبيره لن تأتي بشرعية وحكم أفضل في هذه الظروف ونحن في المؤتمر الشعبي نريد أن نتجاوز هذه العقبة. ويصف كمال هذا العرض بأنه أقرب للرشوة السياسية، وقال: (المبدأ أنه لنا رؤية للخروج من الأزمة ولن نقبل المساومة في أي قضية أخرى)، وأشار إلى أن الحزب الذي سينسحب يكون قد فقد الكثير ولن ينال ما يريده بسبب أن المؤتمر الوطني لن يفتح الإنتخابات في مستويات أخرى، لكنه يستدرك بالقول كل الأفكار يمكن أن تناقش، وختم حديثه بأن إجتماع القوى السياسية في بداية الأسبوع المقبل سيتطرق للكثير من المسائل بذلك الخصوص وستُطرح فيه العديد من القضايا ولكن خيار الانسحاب للبشير ليس من ضمنها. في الإتجاه ذاته يمضي عضو المكتب السياسي بالحزب الإتحادي الأصل على نايل ويقول: (مع قلة الامكانيات إلا أننا لا نقبل أي «رشوة سياسية»، ولدينا حقوق مالية بطرف الحكومة تبلغ «12» مليار هى تقديرات الممتلكات المصادرة يجب أن تعود لنا)، وأضاف: إن الحكومة إذا أعطتهم تلك الحقوق فلا حاجة لهم بها بعد ذلك وهي الآن تدعم نفسها وتدعم حزبها بأموال طائلة وصرف بذخي زايد عن اللزوم. وأشار نايل إلى أن الإنتخابات تبقّى لها أقل من شهر وقلة الموارد لن تقف بهم في مفترق طرق ، وقال إنه إلتقى برئيس الحزب الإتحادي الأصل مولانا محمد عثمان الميرغني هذا الأسبوع وأوصاهم بالعمل وتسريع الجهود وتسخير الإمكانيات المتاحة لأجل الفوز لأنه يعلم موقف حزبه وهو لم يدعُنا للتنازل من الرئاسة وإنما دعانا للعمل على اكتساح الإنتخابات. وأضاف نايل أن الإنسحاب للبشير هو تقدير لم نصل إليه بعد. ويمضي إلى أن ذلك التنازل غير وارد ولكنه فكرة يمكن أن تُناقش ونحن لا نتفاوض مع من لا يعطينا حجمنا الحقيقي وإذا تم تفاوض فلابد أن نجد إحترام القوى الجماهيرية الحقيقية حتى نفاوض على موقف ثابت. فالسياسة هى في النهاية فن الممكن. من جهته يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين الدكتور مرتضى الطاهر أن المؤتمر الوطني حريص على فوز البشير مهما يكلفه ذلك من ثمن بسبب أن الفترة التي أمضاها في الحكم منحته نجومية كبيرة وحققت له شعبية ومقبولية عامة في كل القطاعات، وقال ل(الأهرام اليوم) المؤتمر الوطني يريد أن يرسل رسالة للمحكمة الجنائية أن البشير حوله كل ذلك الإجماع ، أما الأحزاب المعارضة فمهما بدأت للبعض أنها جاهزة فإن جاهزيتها فيها نقصان على مستوى إضافة وتأهيل كوادرها التى ستدير الدولة في حالة فوزها بالحكم والنقص الحادث في التمويل وانقطاع مسيرة التطور الحزبي ولذلك هي حريصة أن تخوض تجربة التداول السلمي للسلطة لتثبيت الفكرة أولاً وبعد ذلك يقوى عودها في مناخ أفضل حتى ولو لم يفز مرشحيها على مستوى رئاسة الجمهورية، فعلى الأقل ستفوز في بعض أو كثير من المقاعد في المستويات الأخرى ، ويعتبر دكتور مرتضى أن القراءة السياسية للأحزاب من واقع الامكانيات هى القراءة الأصدق والقضية الأخرى التى يمكن أن تأثِّر وتغيِّر الموازين هي مسألة التحالفات. فإذا أقدمت المعارضة على الاتفاق على مرشح واحد ستعرقل تلك المساومة حول تنازل الأحزاب للبشير ، وفي ذات الإتجاه يمضي مرتضى إلى أن المؤتمر الوطني غير حريص على المساومة لأنه يعتقد بقدرته على تحقيق فوز كاسح ويراهن على ضعف الأحزاب في تحقيق ذلك الفوز وهم سيواصلون في حملة الدعم لمرشحيهم على كافة المستويات لأنهم واثقين من أن التكلفة التى سيدفعونها للأحزاب في حالة المساومة ستكون أعلى من الذي سيصرفونه على حملتهم وبذلك هم يفضلون خيار الفوز لا خيار التزكية ، ورغم ذلك تظل كل الاحتمالات ممكنة.