ربما كانت السمة الرئيسية التي ميزت العام المنصرم، أقله على المستوى السياسي والاستراتيجي محلياً وإقليمياً ودولياً، أنه كان خالياً نسبياً من الأحداث والتطورات الجسيمة والتحولات الجذرية والحاسمة، وعلى العكس فإنه كان في الدرجة الأولى عام تكريس أزمات مزمنة وتثبيت لأوضاع قائمة وتسليط الأضواء والاهتمامات على قضايا شائكة أخذت تبرز بأشكال مختلفة ومتزايدة، وأصبح واضحاً أنها مرشحة لأن تتحول بدورها مستقبلاً إلى مشاكل ومشاغل عالمية أساسية، ففي الإطار المحلي سودانياً كان العنوان الأبرز على الخريطة السياسية هو خلافات شريكي الحكم في السلطة، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، التي أدخلت المشهد السياسي العام في البلاد في حالة من الاحتقان وعمليات الاستقطاب والاستقطاب المضاد، وكادت تعصف بمسارات تنفيذ اتفاقية السلام التي يعتبرها المراقبون من أعظم الإنجازات التاريخية التي تحسب للقوى السياسية السودانية بحسبانها اتفاقية ساهمت في إيقاف أطول الحروب وأشرسها في المحيط الأفريقي، وعلى الرغم من أن شريكي الحكم في السودان قد أتيا بذلك السلام إلا أنهما في سياق الترتيبات اللازمة لإنزال بنود تلك الاتفاقية قادا البلاد في كثير من المنعطفات إلى هاوية الانزلاق مجدداً في أتون الحرب. والعام المنصرم يعتبر في نظر البعض من أسوأ الفترات الحرجة التي تلت إبرام اتفاق السلام في نيفاشا حتى تساءل البعض: لماذا تطورت الأمور على هذا النحو السلبي بين شريكي الحكم.. الأمر الذي وصل إلى مستوى الشارع، ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟! بحكم الواقع لايمكن تحميل جهة واحدة مسؤولية هذا التطور السلبي، فالفريقان الأساسيان في المواجهة تلك، أي الحركة والمؤتمر الوطني، يتحملان المسؤولية وبنسب متقاربة، ذلك أن المؤتمر الوطني سعى وأخذ على عاتقه تنفيذ سياسة الأمر الواقع من خلال عدم الإيفاء بمستحقات التحول الديمقراطي وفق ما نصت عليه اتفاقية السلام، وذلك من خلال الإبقاء على بعض القوانين ذات العلاقة بالتحول الديمقراطي نفسه كما ترى الحركة الشعبية، ومنها قانون الأمن وقانون الصحافة والمطبوعات وقانون المناطق الثلاث المختلف عليها أصلاً في بعض بنود اتفاقية السلام، وهي مناطق النيل الأزرق ومنطقة أبيي الغنية بالنفط ومنطقة جبال النوبة ووضعية هذا المناطق بعد الانتخابات المزمع إجراؤها في العام الجديد وبدا خلال السنوات الماضية التي تلت توقيع اتفاقية السلام إن السلطة غير مهتمه كثيراً بالمطالبات التي تنادي بها الحركة الشعبية وحلفاؤها من القوى السياسية الأخرى وإنها كانت تراهن على تطورات إقليمية معينة لابد أن تنعكس إيجابا على الوضع السياسي الداخلي في السودان لكن رهانها لم يكن صائباً لان التطورات الموعوده تلك تبخرت سريعاً بفعل الإتهامات التي ساقتها محكمة الجنايات الدولية لرموز النظام نفسه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة في النزاع الدائر في إقليم دارفور. على ذات الصعيد ففي العام المنصرم شن المؤتمر الوطني عبر منابره المختلفة حملة شعواء ضد الشريك الآخر الحركة الشعبية، متهماً أياه باللا مسؤولية وعدم القدرة على حكم الأقليم الجنوبي منفرداً، متهماً بعض قادتها بالرشوة والفساد، غير إنه يمكن القول أن سياسة حافة الهاوية التي طبعت علاقة الشريكين الأساسين في الحكم والتي انعكست سلباً على عملية التطور السياسي والديمقراطية في السودان فتحت مؤخرا باباً للدبلوماسية الحوارية بين الطرفين والتي بدأت ترسي نمطاً إستثنائياً من التعاون المشترك للخروج من نهايات النفق المظلم التي تلوح في افق السياسة السودانية خاصة بعدما توصلا فعلياً الى أن المواجهات السياسية وتالياً الأمنية كما حدث في إطار التظاهرات الأخيرة التي قادتها الحركة وحلفاؤها من الأحزاب الأخرى ضد المؤتمر الوطني إنها لا تحل شيئاً بل ربما تفسح المجال لمواجهات أخرى أكثر خطورة تهدد مصير البلد ووحدته على نحو جدي وواسع النطاق. وفي منطقة الشرق الأوسط كان العنوان الأبرز على خريطة الأحداث الأقليمية الصعوبات التي واجهت السياسة الخارجية الأمريكية خاصة في ظل إنتخاب باراك أوباما والذي يمكن اعتبار انتخابه رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية في حد ذاته الحدث الأكبر على مستوى العالم من جهة أنه أول رئيس من اصول أفريقية يصل إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، فالجمود الكامل ظل مسيطراً على العملية السلمية، سواء على مسارها الفلسطيني أو على المساريين السوري واللبناني ولم تفلح الزيارات والجولات المكوكية التي قام بها للمنطقة المنسق الأمريكي لسلام الشرق الأوسط وأعضاء فريقه ولا الجولة التي قامت بها وزيرة الخارجية كلينتون في تحريك عجلة تلك المفاوضات أو أضافة أي عنصر إيجابي جديد يكون كفيلاً بإخراجها من المأزق الذي يتحكم بها منذ وصول بنيامين نتانياهو وائتلافه اليميني الديني المتشدد إلى الحكم في إسرائيل، في ذات السياق تعتبر زيارة الرئيس الأمريكي المنتخب أوباما إلى مصر وإلقائه خطابه التاريخي نقطة تحول في استراتيجية البيت الأبيض تجاه منطقة الشرق الأوسط والتي ترجمتها الإدارة الامريكية في انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية المحتلة إلى خارجها كبادرة حسن نوايا حظيت بمصداقية من قبل المجتمع الدولي والعرب تحديداً بشأن وعود أوباما التي أطلقها في ذلك الخطاب الشهير بجامعة القاهرة ويبقى من خلال ذلك الوضع الإيراني الذي ربما كان الوحيد الذي شذ عن قاعدة العام 2009م فشهد تطورات كانت الأكثر حيوية وإثارة للاهتمام فقد أجريت إنتخابات فاز بموجبها الرئيس أحمدي نجاد المعروف بميوله الراديكاليه وحدثت تطورات بالغة الأهمية تناولت طبيعة النظام القائم وهويته الفقهية والعَقَدَية حتى وصلت إلى تقسيم المجتمع الإيراني إلى فريقين إصلاحي يشكك في نزاهة وشفافية الانتخابات الأخيرة وآخر محافظ يتكئ على الترسانة المرجعية لرجال الدين بل وصلت المواجهات إلى صدامات وتظاهرات في شوارع المدن الإيرانية لم تشهدها من قبل يوازي ذلك في المقابل تطورات نوعية على صعيد الملف النووي الإيراني والضغط الدولي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية لتحجيم تطلعات إيران النووية وقد يكون النقاش الدائر في إيران حالياً في شأن شرعية النظام الحالي وما يستتبعها من مسائل تتعلق بهوية النظام والملف النووي مؤشراً رئيسياً على التوجهات التي يبدو هذا البلد مرشحاً للدخول فيها خلال المرحلة المقبلة وهذا ما سيتبعه تحديد ضروري جديد لموقع إيرانالإقليمي والدولي ولا يستبعد أن يتحول هذا الموضوع بالذات إلى أحد أكثر محاور العام 2010 أهمية وتأثيرا لا سيما في ضوء ما قد يسفر عنه الصراع بين ما يسمى بقوى الإصلاح والاعتدال خارجياً وداخلياً من جهة وأطراف التشدد والمحافظة من جهة أخرى. وفي هذه الأثناء يستمر الوضع المأساوي في الصومال حيث بلغت فظاعة المجازر والممارسات الدموية حدود اللا معقول في صراع عبثي لا يبدو أن هناك ما يشير إلى إقتراب نهايته بين السلطة الهشة في مقديشو والجماعات الإسلامية المتطرفة المعارضة لها واستمر الوضع على حاله في إفغانستان التي تحولت في ظل حكومة حامد كرازي الذي أعيد إنتخابه مجدداً إلى طاحونة إستنزافية قاتلة بين حركة طالبان والقوات الأمريكية والحكومة من جهة حيث امتدت العدوى للجارة باكستان وظلت التفجيرات المتوالية عنواناً رئيسياً في ذلك البلد. على صعيد آخر كرس العام الماضي أيضاً اسوأ الأزمات الاقتصادية العالمية والتي على إثرها انهارات كبرى المؤسسات الاقتصادية الدولية وأفلست عدة دول. وعززت أحداث 2009م أيضاً المخاوف المتزايدة حيال قضايا تهم العالم أجمع وتتعلق بمستقبل الجنس البشري برمته كالبيئة والتقلبات المناخية والتلوث. وتوجت تلك المخاوف بعقد مؤتمر كوبنهاجن الأخير والذي أظهر أن الحديث عن الأزمات الجديدة تجاه المناخ يضاهي من حيث أهميته والمخاوف الكامنه فيه الحديث عن أزمات السياسة والاقتصاد والحروب والصراعات. وهكذا كان عام 2009م عام تكريس الجمود والأزمات وربما كان أيضاً عام الفرص الضائعة في انتظار الأمل الدائم في أن يكون فيما تبقى من العام 2010م الذي يشارف انقضاء ربعه الأول لالتقاط هذه الفرص خاصة على المستوى السوداني الداخلي والاستفادة منها وتحويلها إلى عبر ودروس للمستقبل.