قبل عشر سنوات تقريباً؛ كتبتتُ في جريدة القبس بعض المقالات، أو الأعمدة، وكان عنوانها هو: «الشيوعي الحقيقي ملحد». وقد رد الأستاذ المناضل الصحفي المرحوم محمد سعيد معروف قائلاً ما معناه: إن الإلحاد ليس شرطاً في الشيوعية. وكان واضحاً أن الأستاذ الوقور المهذب المتواضع يستند في رده على تجربته الشخصية، فقد كان في شبابه شيوعياً، ويبدو أنه لم يتخل قط في تلك الفترة عن إيمانه. ومرّ بتجربة الأستاذ معروف كثيرون، وربما معظم الشيوعيين السودانيين، فقد ظلوا باستمرار مؤمنين موحدين ملتزمين بأهداب الدين، أو أركانه، ومنها الصلاة. ولذلك قلنا إن الشيوعيين السودانيين شيوعيون غير حقيقيين، وإن شيوعيتهم ناقصة، ولتكتمل؛ لا بد أن يكونوا ملحدين، لماذا؟ وقبل أن نجيب؛ نستأذن القراء في وقفة عابرة مع فلسفة الشيوعية، أي فلسفة الماركسية اللينينية، واسمها المادية الديالكتيكية. والشيوعي هو الإنسان المقتنع المناصر لهذه الفلسفة التي يقود الإيمان بها حتماً إلى الإلحاد. والمادية يقولون هي نظرة للوجود تقدِّم الطبيعة على الوعي، أو المادة على الروح. والديالكتيك - ويترجم أحياناً بالجدل - منهج له أربعة قوانين، هي: قانون الترابط الضروري، وقانون وحدة وصراع الأضداد، وقانون تحول التغييرات الكمية إلى كيفية، وقانون نفي النفي. وطبعاً واضح جداً أن بعض الشيوعيين المثقفين السودانيين قرأوا هذه الفلسفة، التي هي المادية الديالكتيكية، لكنهم لم يقتنعوا بها، ولذلك بقوا على إيمانهم وإسلامهم، وواضح أيضاً أن بعضهم من غير المثقفين لم يقرأوها ولذلك لم يتأثر إيمانهم. ولذلك كان مما يحيرنا إصرارهم على أنهم شيوعيون وعلى أن يكون اسم حزبهم هو الحزب الشيوعي السوداني وهذه الحيرة قديمة ترجع إلى الستينيات التي كانت خلالها الشيوعية الدولية (طالعة في الكفر)، وكان خلالها الحزب الشيوعي السوداني متألقاً في الساحة السياسية، وله نواب في الجمعية التأسيسية، ونائبة هي الأولى في حياتنا البرلمانية، وهي الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم. ثم بعد انهيار المعسكر الشيوعي أوائل التسعينيات؛ وإصرار الشيوعيين السودانيين على شيوعيتهم، وعلى حزبهم باسمه القديم؛ ازدادت الحيرة أكثر! فقد ثبت أن حتى الجانب الاقتصادي من الماركسية الذي استهواهم أكثر من المادية الديالكتيكية؛ لم يصمد في السوق، وعلى الطبيعة ولم يقدِّم ما كان مرجواً منه.