ما الذي كان يمكن أن يحدث إذا ما كُتب الاستمرار للانقلاب العسكري الذي نفذه الضباط الشيوعيون عصر 19 يوليو 1971م؟ والإجابة هي الكثير وفي مقدمتها أن يسلموا الحكم للحزب الشيوعي السوداني الذي يتمتعون بعضويته وكان يوصف بأنه أكبر وأقوى حزب شيوعي في العالم العربي وأفريقيا، وبالتالي فإن المفترض والمتوقع بعد الانقلاب أن يصبح رجل النظام القومي هو الأمين العام للحزب الأستاذ الراحل عبدالخالق محجوب حتى مع استمرار مجلس قيادة الثورة الذي يرأسه المقدم بابكر النور وينوب عنه الرائد هاشم العطا. وكان من الجائز أن تنشأ علاقة عملية سلسلة بين الأستاذ عبدالخالق محجوب وبين مجلس قيادة الثورة ثم يحل المجلس ويتولى الحزب الشيوعي بزعامة عبدالخالق رئاسة الدولة ويصبح نفوذه بقوة نفوذ نظرائه الأمناء العامين في البلدان التي يحكمها الشيوعيون من أمثال بريجنيف في الاتحاد السوفيتي وماو في الصين وتيتو في يوغسلافيا وجومولكا في بولندا.. إلخ، وفي هذه الحالة تُفرض ديكتاتورية البروليتاريا، أي ديكتاتورية الطبقة العاملة، رغم ما قيل من أن هذه الديكتاتورية لم تتحقق قط في الأقطار التي حكمها الشيوعيون وإنما تحققت ديكتاتورية أخرى هي ديكتاتورية المثقفين والبيرقراطيين التي تتحول في النهاية إلى ديكتاتورية فرد من شاكلة لينين وستالين وخروتشوف وبريجنيف وماو وتيتو..إلخ. وبافتراض أن السودان أصبح دولة شيوعية كان من المؤكد أن تنشأ علاقة خاصة بينه وبين الاتحاد السوفيتي زعيم الشيوعية العالمية والدولة العظمى الثانية في العالم بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، وما كان لعلاقة من هذا النوع إلا أن تلبي أساساً مصالح واحتياجات الطرف الأقوى الذي هو الاتحاد السوفيتي. وكان تطبيق الشيوعية بحذافيرها يقتضي أن يؤمم النظام الجديد كل شيء حتى مطاعم الفول ومحلات التمباك، فإلغاء الملكية الفردية من صميم الشيوعية. وماذا عن الإلحاد؟.. إن الاقتناع بالماركسية وبفلسفتها التي هي المادية الديكالكتيكية يُفضي حتماً إلى الإلحاد، لكن الشيوعيين في العالم العربي والإسلامي اعتادوا أن يقولوا إن الذي يعنيهم من الماركسية هو جانبها الاقتصادي ولا شأن لهم بما ينسب إليها من إلحاد، ولذلك نؤجل الكتابة عن هذه الناحية إلى وقت آخر. ومن جانب آخر كان من الجائز أن يختلف مجلس قيادة الثورة الذي أعلن عنه في 19يوليو 1971 مع الحزب الشيوعي السوداني وذلك بأن يتغلب انتماؤهم للقوات المسلحة على انتمائهم للحزب الشيوعي السوداني، ووطنيتهم على الحزبية الضيقة، وأن يقيموا نظاماً لا يستأثر فيه الشيوعيون وحدهم بالسلطة وإنما يشترك فيها الآخرون على اختلاف اتجاهاتهم السياسية. وكان من الأرجح أن يرفض الحزب الشيوعي السوداني ذلك وينشب بالتالي بينه وبين مجلس قيادة الثورة صراع، والاحتمال الأكبر أن يكون صراعاً دموياً شرساً بين الرفاق الأعداء.. لكن أياً من ذلك لم يتحقق فقد هزمهم الشعب العظيم والقوات المسلحة بعد 72 ساعة من وصولهم إلى السلطة وأعاد الأمور إلى نصابها، ونصابها هو أن السودان ليس قابلاً لأن يكون دولة شيوعية.