والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    دبابيس ودالشريف    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة من صديق : في نقد الفكر اليومي المتمركِس
نشر في حريات يوم 11 - 03 - 2012


مهدي عامل – في الدولة الطائفية
ورد في الميدان بتاريخ 20/ 2/ 2010 السبت العدد 2186 صفحة 11, مقال تحت عنوان (ناس الميدان) للدكتور حسن موسى .
نورد هذا المقطع منه :-
” أظن أن اهتمام الشيوعيين السودانيين بالكدح الفكري في إشكاليات الاعتقاد الديني لا يتجاوز اهتمامهم بالكدح الفكري في إشكاليات علم الجمال أو إشكاليات علم الفلك حتى .
و ذلك لسبب بسيط يمكن تلخيصه في أن القوم , ضمن انخراطهم التام في أولوية الأسئلة
السياسية , لم يجدوا يوم براحاً يتيح لهم الانشغال بأسئلة الفلسفة .”
في الطرح
أعتقد إن طرح هذا الموضوع , أعني موضوع (ألحاد الشيوعيين السودانيين), برأي يحتاج إلى تدقيق . و حتى أكون أكثر وضوحاً , إن طرح القضية في جريدتكم الكريمة بهذه الطريقة , إنما هو تبسيط مخل , هذا عدا عن تناولها من جانب واحد دون بقية الجوانب .
فالشيء في حركته الديالكتيكية , هو وحدة الضدين , أي حركة صيرورته في حركة الضدين. لأن الشيء , هو الشيء نفسه و ضده في آنٍ معاً . و العلاقة بينهما هي علاقة تفاوت , و بالتالي علاقة سيطرة , يخضع فيها , الضد في تناقضه مع الضد, لسيطرة الضد
لكل ضد , أو قل إن التناقض هو بين طرفي التناقض (أي بين الضدين) وفي كل طرف من طرفي التناقض (أي في الضدين) . أذن التناقض هنا هو تناقض معقَد و ليس تناقض وظيفي, تناقض مادي أي ماركسي و ليس تناقض هيغلي.
فالنقيض أو الضد أو الطرف ليس صافياً , بل يتخلَله نقيضه أو ضده أو طرفه . من هنا تنشأ وحدة الضدين (أي وحدة الأضداد) , في تناقضهما الرئيسي و تناقضهما الثانوي . و من هنا تنشأ حركتها الديالكتيكية , و بالتالي تنشأ حركة الشيء الديالكتيكية , في صيرورته شيئاً, أي في السيرورة الفجائية للشيء ذاته .
بهذه الأداة المنهجية أي المعرفية , يمكننا النظر في مسألة كمسألة الإيمان و الإلحاد , و علاقة التناقض بينهما , كعلاقة تناقض معقَد , أو إن شئتم علاقة تحديد التحديد , على حد تعبير مهدي .
فالإلحاد كنقيض للإيمان , لا وجود له إلا في تربة الفكر الديني وحده , أي أن النقيضين غير موجودين خارج إطار هذه التربة بالتحديد.
و مقاربة الدكتور هنا كانت بمنظار هيغلي أكثر منه ماركسي , فالعلاقة بين الإيمان و الإلحاد , ليست علاقة بسيطة تفترض التناقض البسيط , بل على العكس من ذلك , علاقة تناقض معقد تفترض تربة الفكر الديني . فبهذه التربة وحدها , و فيها , يجب النظر إليهما كنقيضين .بل , و للدقة العلمية , يُشترط أيضاً , وحدتهما على هذه التربة بالذات . وما هذه التربة إلا علاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية , أي شكل تاريخي اجتماعي محدَد من علاقات إنتاج مادية . فمشكلية الإيمان والإلحاد كمشكلية خاصة بالفكر الديني , و ليست(( الإشكالية)) , تنطرح في إطار تلك العلاقات بالتحديد , لا في خارجها . و هذا يعني أن هذه المشكلية , مشكلية فكرية تاريخية اجتماعية تنطرح في حقل الصراع الطبقي بتلك البنية من علاقات الإنتاج. اتخذ فيها هذا الصراع شكلاً تاريخياً محدداً هو هو شكل الصراع الديني. أو قل إن صراعها الطبقي كان صراعاً أيدلوجياً أي دينياً .
فشرك بالله , أو الكفر بالله , أو نكران وجود الله , كشكل من أشكال الغيب , لا يعني نكران كل الغيب , بل بالعكس , فهو يفترض وجود هذا الغيب بالتحديد . أي يفترض وجود الفكر الديني كفكر غيبي قائم على التوحيد , و هذا هو معنى الإلحاد كمشكلية فكرية تنطرح في حقل الصراع الديني كحقل للصراع الطبقي في تلك البنية الاجتماعية الما قبل رأسمالية . و هناك شواهد تاريخية في التاريخ العربي الإسلامي عن الملحدين أمثال : الرازي , الغزالي…..الخ
و هذا الحديث يقودنا , إلى نقطة جوهرية و هي أن الدين أو المنطق الديني لا يحمل تفسيره في ذاته , أو قل أن الدين لا يفسر نفسه بنفسه , بل ببنية اجتماعية هي التي تحمل مبدأ تفسيره . أي أن بنية علاقات الإنتاج المادية في تلك البنية هي التي تفسر الدين أو قل الوعي الديني و ليس العكس.
هذا من جانب , من جانب آخر , تختلف هذه المشكلية , عن مشكلية (الإنسان و الله)عند الفكر الديكارتي مثلاً , أو عن (فلسفة الحق) عند هيغل , باختلاف نمط الإنتاج الما قبل رأسمالي , عن نمط الإنتاج الرأسمالي .
حيث وجدت البرجوازية في طور تكوَنها , إي حينما كانت هذه الطبقة , طبقة ثورية, ضرورة القضاء على هكذا أنماط من الإنتاج بفعل ضرورة نمط الإنتاج الرأسمالي نفسه . أي وجدت ضرورتها في الانقلاب على الفكر الذي سبقها , بفعل ضرورة نمط الإنتاج الرأسمالي في القضاء على ما سبقه من أنماط أنتاج , و بعبارة أخرى ؛ وجد الفكر البرجوازي كفكر مثالي أي غيبي حلَه في ضرورة القطع المعرفي , أي المادي مع ما سبقه من فكر لاهوتي أي ديني هو هو فكر نقيضها الرئيسي , أي فكر الطبقة الأرستقراطية الإقطاعية .
لن نطيل في هذا الموضوع , إذ لا جديد فيه , و بإمكان القارئ العودة إلى مؤلفات ماركس و انجلز و لينين إن أراد التوسع .
في موضوع النقد
أما الجديد فيمكن أن نصوغه في شكل السؤال الآتي :-
أذا كان للفكر الديني تربة أي علاقات أنتاج مادية تختلف عن تربة الفكر البرجوازي , فكيف ظلت هذه العلاقات في علاقة تعايش مع الشكل الرأسمالي للإنتاج في بنيات اجتماعية كالبنية الاجتماعية السودانية ؟.
لنوضح هذا السؤال بسؤال آخر علَه ينير الأول أكثر :-
لما تميل علاقات الإنتاج الرأسمالية في البنيات الاجتماعية الامبريالية في بلدان مثل بلدان أوروبا , إلى القضاء ليس فقط على أنماط الإنتاج الما قبل رأسمالية , بل و أيضا على المراحل الأولى من الرأسمالية أو على مرحلة الامبريالية و احتكار الدولة فيها , في حين تميل علاقات الإنتاج الرأسمالية , أو شكل تاريخي منها في البنية الاجتماعية السودانية ,على سبيل المثال , لا للإبقاء على أنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية و حسب , بل و بتجديدها أيضا؟ .
أو بتعبير أدق : لما عجزت البرجوازية السودانية في طور تكوَنها , أم في طور تجدَدها , عن القضاء على هكذا أنماط من الإنتاج , فصار عجزها هذا أزمة لها ؟.
هنا على الفكر أن يقلق , أن يتساءل , أن يصوغ السؤال بالشكل الذي يمهد للحل , أي للإجابة , فالمسألة ليست مسألة ((فلسفة)) أو ((أسئلة فلسفية ملولوة )) أو ((إشكاليات)) كما يقول الدكتور , ثم أن الفلسفة كانت في السابق تفسَر العالم , أم دورها الآن هو تغيير العالم على حد تعبير ماركس .
نقول أن المسألة , مسألة نظرية , فلا حركة ثورية بدون نظرية ثورية, على حد تعبير لينين.و أياً كانت الإجابة على هذا السؤال فأننا نظل في منطق الفكر العلمي في محاولة إنتاجه لجديد المعرفة العلمية , أي في إنتاجه لجديد نظريته الثورية . فمنطق الفكر هذا يفرض على نفسه أسئلة ملَحة, يفرضها عليه , موقع الطبقة الثورية النقيض , أي الطبقة العاملة , في حقل الصراع الطبقي ضد البرجوازية المسيطرة في هذه البنية الاجتماعية. و بعبارة أخرى ؛ أي يفرضها من الموقع الذي يحول هذه البنية تحويلاً ثورياً. فالعلاقة بين النظري و السياسي في منطق الفكر العلمي, هي علاقة ممارسة ثورية تنطرح ممارسياً في حقل الصراع الطبقي , من موقع الطبقة الثورية , ضد البرجوازية المسيطرة و فكرها المسيطر ؛ أنها النظرية في الممارسة السياسية , على حد تعبير مهدي . فلا وجود ((لأسئلة فلسفية)) بمعزل عن ((أسئلة سياسية)) كما يقول الدكتور, (( ما في حاجة اسمها ده برى و ده برى )) على حد تعبير احد العمال السودانيين.
لكن دعونا ننظر إلى صيغة هذا السؤال من زاوية الموضوع الذي نحن بصدد نقده:
فلو عدنا إلى نص الدكتور , لا نجد صيغة هذا السؤال بالشكل الذي طرحناه, أو قل بهذا الوضوح الذي يطرحه سؤالنا , نقصد بذلك , أن طرح النص للمسألة كان يتمحور حول “إشكالية الاعتقاد الديني” و علاقته بفكر الشيوعيين , و هو طرح يختلف عن سؤالنا لنفس المسألة.
و هنا لنا سؤال آخر يمكن طرحه بالشكل الآتي :-
لما تمظهرت المسألة بشكل “إشكالية اعتقاد ديني” في منطق النص ؟.أي لما ظهرت هذه المسألة بهذا الشكل في فكر الدكتور ؟.
لنصوغ السؤال بشكل آخر :
لما انقلبت المسألة عنده من أزمة نمط الإنتاج الرأسمالي هي أزمة شكل تاريخي محدد في البنية الاجتماعية السودانية , تنطرح كقضية لا حل لها إلا في حقل الصراع الطبقي , نقول لما انقلبت من هذا الطرح بالتحديد إلى “إشكالية اعتقاد ديني ” أي إلى قضية فكرية؟.
وبعبارة أخرى؛ لما استحالت القضية كلها عنده إلى قضية فكرية ؟.و لما أعطى للفكر دور لا يعود له بل يعود ليس فقط إلى الصراع الطبقي بل و أيضا إلى نمط الإنتاج في تلك البنية الاجتماعية ؟.
هل اتضح للقارئ موضوع نقدنا ؟ , هل اتضحت له الفكرة ؟.
فالفكرة المطروحة بصيغة أسئلة , ليست منا ” لولوة فلسفية ” , بل قل أن نقدنا ” يتلولو “,لأن النص “يتلولو ” , أو قل للدقة ؛ لأن نص الدكتور يراوغ , فيراوغ نقدنا في وحدة هي وحدة النقيضين , أي النقد و النص المنقوض . بعملية لا تنتهي ألا حين يقيم النقد الحد على النص المنقوض . وبتعبير آخر , حين يُجهز النقد على النص نقده , بكشف موقعه الطبقي الذي منه ينطلق , أي بإقامة الحد النظري الفاصل بين نقده و منقوض نصه .
فالنص هنا , ليس ببريء , وإن بدا ذلك كذلك . و لا وجود للبراءة في قاموس الفكر العلمي , لكنه الفكر الذي يحدد للنص مقدماته , أي منطلقاته.
في منطلقات الفكر
لنلقي نظرة على هذا المقطع من النص :-
“……….وكون أغلب الشيوعيين السودانيين الذين عرفتهم لا يقيمون [ و قد يصومون أو لا يصومون و فيهم من يعاقر أم الكبائر عند اللزوم مثلما فيهم من يتجنبها] فذلك لأنهم جزء من واقع اجتماعي ثقافي علاقة الناس بالدين ضمنه تتأسس بشكل عفوي دون تفكير و تأمل مسبق في الإشكاليات الفلسفية لأسئلة الإيمان و الإلحاد , وقد تصح فيهم مقولة ” الناس على دين أبائهم” .
هذا الواقع لا يعني غياب نموذج الشيوعي الذي يتوصل , بعد التأمل الفلسفي النقدي . إلى تأسيس موقف فلسفي معقلن من قضايا الإيمان والإلحاد . وهذا النموذج المستبصر في أسئلة الاعتقاد الديني هو الآخر نادر في الحزب , مثله مثل نموذج الشيوعي المواظب على أداء الصلوات ……..”.
لن نقف عند موضوع ” صلاة الشيوعيين ” , سنتركه للقارئ ليستنتجه من سياق مقالنا و ذلك لسبب بسيط وهو أنه ليس بموضوع مقالنا, هذا من جهة , ومن جهة أخرى بوسع القارئ أن يعود إلى كتاب ” العائلة المقدسة “ لماركس و انجلز , إن أراد التوسع .
لنعد إلى موضوع مقالنا :
أنها هي, و أنها ليست هي , وأنها ليست كمن لهن مواهيا,
أنها المقدمات , التي تحدد للفكر منطلقاته بشكل بدهات . فمن البديهي , أن المجتمع السوداني ” واقع اجتماعي ثقافي ” , طبيعي جداً , قول لا يقبل النقاش. لكنها المنطلقات , بها يتحدد للفكر , مسار , هو هو مسار فكره , أو قل , بها تتحدد أسس فكره , فيرتسم الواقع الاجتماعي انطلاقاً من أسسه , بشكل صورة , هي هي صورة لفكره .
فهو يقول , أن الواقع الاجتماعي السوداني ” واقع اجتماعي ثقافي ” , حيث للثقافة أي للفكر هذا الدور الحاسم أي الكبير الذي ليس للصراع الطبقي أو لنمط الإنتاج مثله . سمح ؛لنكمل :” علاقة الناس بالدين ضمنه تتأسس بشكل عفوي دون تفكير و تأمل مسبق في الإشكاليات الفلسفية لأسئلة , الإيمان والإلحاد “.
أي أن الناس لا يعملون الفكر في “الإشكاليات” , فإن فكروا فيها , انتقل حالهم من فكر إلى فكر , و إن لم يفعلُ , ظلوا على ” دين أبائهم ” . معنى هذا أن الواقع الاجتماعي السوداني , واقع بلا تفكير , أو قل أن الناس فيه لا يفكرون و إنما يقلدون أبائهم ؛ وهنا لا نعتقد أن الدكتور بقبل بهذه النتيجة .و لكن هذا هو منطوق نصه .
سمح , دي التانية , أما التالتة؛ فهي الانتقال من “الواقع الاجتماعي الثقافي ” إلى ” الناس” , يقودنا إلى أن للناس وجوداً ” ثقافياً ” , أي ليس للناس وجوداً طبقياً , و بالتالي ” الواقع الاجتماعي الثقافي “ واقع لا طبقي , و هنا أيضاً لا نعتقد أن الدكتور يوافقنا على هذه النتيجة .
أذن , نستنتج من هذا الكلام , أن هناك أزمة عدم تفكير في “الواقع الاجتماعي الثقافي “, و الأزمة هذه عامة تضرب جذورها في أعماق الثقافة السودانية .
إلا أن موضوع الدكتور ليس هنا , بل هو في أن الشيوعيين السودانيين ” جزء من واقع اجتماعي ثقافي ” , أي جزء من أزمة عدم التفكير هذه . و الأزمة هذه ليست أزمة عدم تفكير فقط , وإنما هي أيضاً بين دينهم الجديد ” الملحد ” و” الإيمان” السائد في ” الواقع الاجتماعي الثقافي “. أي بين الماركسية ” الملحدة “ و” الإيمان ” .
فإن تحول الشيوعيين إلى اعتناق ” الماركسية “ صاروا ” ملاحدة ” . و لكن في هذه الحالة ” سيغتربون ” عن إيمان مجتمعهم السائد , و يلصقون على أنفسهم , بالتالي ” تهمة الإلحاد ” .
و إن ظل الشيوعيين على “دين أبائهم” ” اغتربوا “ عن” الماركسية” , و صاروا ليسوا ماركسيين حتى , و لكنهم مؤمنين .
فما العمل , إذن ؟ أنه المأزق , أنها “إشكالية الاعتقاد الديني” , عند الشيوعيين , أنها هي ذات “الإشكالية ” , في الحالتين . لا حل لها حتى عند”المستبصرين” أو “المتأملين” , لكنه مأزق مرفوض , فقد قَبِلَ بالمنطلقات و رفض النتائج .فما العمل مرة أخرى ؟ أنها لعنة القدر , غيَبت الأسباب , فتأبدت الأزمة. و إلا ما معنى قوله :”و في هذا السياق السياسي , أفهم العبارة المنسوبة لسكرتير الحزب الشيوعي حين قال في حديث صحفي : ما في ملحدين في الحزب الشيوعي , كمحاولة يائسة لردع الشيوعيين السودانيين عن تمسك بتهمة الإلحاد التي ألصقت بهم افتراءاً فقبلوها كتهمة مرموقة نكرانها يوقعهم في الحرج الرمزي و قبولها لا يخفف من غلواء البروباغاندا المعادية .”؟ . على كل حال , لنترك الحل لصاحبه عله يكشفه لنا في مقالة قادمة له . ولكن إلى ذلك الحين , وقبل أن نواصل نقدنا , نستريح عند هذه الملاحظة التي نضعها بين قوسين :
( إن مفهوم “الغربة” الوارد في نصنا ليس من عندنا و لا من عند الدكتور , بل من الأستاذ الشهيد عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي , في نص تقرير المقدم من المكتب السياسي إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في دورة استثنائية في منتصف يونيو 1968, في إشارة إلى مشكلية الإيمان في المجتمع السوداني و “غربة الماركسية*” عنها . و نحن هنا لا نعالج قضية بمعالجة قضية أخرى , حسبنا فقط أن نشير هنا لمفاهيم غريبة تنسل حتى لصفوف الطبقة العاملة السودانية و قيادتها في تنظيمها الثوري , دون تمحيص دقيق , ودون نقد يستخرج العلمي منها و الإيديولوجي. إلا أننا نعتقد , إن استخدام هكذا مفاهيم , في عالم ما قبل المعرفة العلمية ذات الطابع الكولونيالي (لمهدي عامل) في نهاية الستينيات , هو أمر طبيعي , أي تاريخي و بعبارة أخرى ؛ لم تتوفر الشروط التاريخية المعرفية المحددة حينها , ليكشف التاريخ عن معرفته . لأن الماركسية هي هذا العلم الذي يصغي لصوت التاريخ , في عملية يتميز الكوني من مفاهيمها بتميَز تمرحل التاريخ في البنية الاجتماعية , أي حين يسمح لها بالكشف عن أسراره . فعملية إنتاج المعرفة العلمية ليست فعلاً إيمانياً ولا هي معطى مباشر سابق على واقع إنتاج المعرفة على حد تعبير مهدي .
على كل حال , نقول , في نهاية التحليل , إن مفهوم ” الغربة” أو ” الاغتراب ” عند البرجوازيات العربية ” هو المفهوم الإيديولوجي الرئيسي _ و هنا نترك النص لمهدي عامل _ في التمييز الكولونيالي لإيديولوجية البرجوازية , لأن فيه تختفي تلك العلاقة التاريخية المحددة من التبعية البنيوية للإمبريالية بشكل تظهر فيه كأنها قدر غيبي هو قدر التمزق الدائم بين ماضٍ نرى في حضوره الدائم سبب العجز عن الخروج منه , و حاضر غائب عنا هو للآخر , يجب الوصول إليه دون قدرة على ذلك , بخروج من الذات إلى الغير , و في الخروج تغرب عن الذات و في الوصول إلى الغير تغرب عنها , و لا خروج من التغرب إلا بالبقاء فيه , فما العمل ؟ إنها لعنة القدر , غيبت الأسباب فتأبدت الأزمة , وفي الحالتين بقيت البرجوازية الكولونيالية مسيطرة لأن في سيطرتها الطبقية القدر الذي هو ضرورة التاريخ نفسه . و هنا , تتكشف مأساة الاغتراب و التمزق على حقيقتها في شكل ملهاة هي مأساة البرجوازية الكولونيالية . على مسرح الصراع الطبقي تُلعب هذه المأساة في حركة التحرر الوطني . البرجوازية الكولونيالية تلعب في هذه المأساة دور البرجوازية التي تتمثل بها, فتمثلها , و الطبقة العاملة تنفض منطق اللعبة نفسه , فتكشف في تلك المأساة حقيقة المهزلة في عجز تلك الطبقة عن القيام بالدور الذي تلعبه , و تنقلب الأدوار بشكل تتكشف فيه ضرورة التاريخ في أن تقوم الطبقة العاملة نفسها , من حيث هي الطبقة الثورية النقيض بالدور الذي تعجز البرجوازية الكولونيالية عن القيام به. و هي تقوم بهذا الدور فيما هي تقوم بدورها التاريخي نفسه , أي بدورها الطبقي النقيض في الانتقال إلى الاشتراكية , و تظهر تلك الضرورة التاريخية في حركة التحرر الوطني, ليس في الحقل الاقتصادي , بل في الحقل السياسي و في الحقل الفكري أيضا . معنى هذا أن الطبقة العاملة , بقيامها بدورها الطبقي المميز , أي بتحقيق ثورتها الاشتراكية نفسها , أنما هي تقوم في آنٍ معاً بتحويل ثوري لعلاقات الإنتاج السابقة على الرأسمالية التي عجزت البرجوازية الكولونيالية عن القضاء عليها , وتحويل ثوري للدولة التي عجزت البرجوازية الكولونيالية عن تحويلها _أو كما يقال عن تحديثها _ و بإنتاج فكر جديد عجزت البرجوازية هذه عن إنتاجه . ….”. ص 113 -114 أزمة حضارة عربية أم أزمة برجوازيات عربية؟ مهدي عامل دار الفارابي بيروت الأعمال الكاملة الطبعة الخامسة 1989.
لن نعتذر للقارئ عن طول المقطع الذي اقتطفناه , لأن كل سطر فيه , يستحضر الآخر , و يناديه, في سلسلة من كثافة فكرية مادية , تلخص فكر هذا الفيلسوف العظيم و قدرته الاستثنائية على إنتاج مفاهيم علمية جديدة , هي هذه المفاهيم الكونية للماركسية اللينينية في تمييزها الكولونيالي, بعبقرية قل نظيرها في عالمنا اليوم , عالم الإمبريالية أللاحتكارية ,عالم النيوليبرالية المعولمة الحديثة ,لكنه بحق, عصر الانتقال إلى الاشتراكية .
قبل أن نقفل القوسين نود الإشارة إلى أن استخدام هذه المفاهيم في وقتنا الحاضر, بعد الكشف الهام عن تلك الضرورة التاريخية , أنما ينطوي على الانزلاق إلى مواقع إيديولوجية البرجوازية الكولونيالية . ومن الأمثلة على ذلك , ما نجده مثلاً , في برنامج الحزب الشيوعي المقر في المؤتمر الخامس لعام 2009 , تحت الفصل العاشر بعنوان “تجديد المشروع الاشتراكي ” ,في الفقرة التي تقول: إلغاء الامتيازات الطبقية بما ينهي اغتراب الإنسان. و الطريف في الأمر أننا وجدنا تعليق على هذه الفقرة , على موقع الحزب في شبكة الانترنت يقول : ” عن ماذا !!!!؟؟؟؟”
على كلٍ ,سنبحث هذا الموضوع بمزيد من التفصيل في مقالات قادمة لنا .)
أزمة فكرية أم أزمة برجوازية؟
هكذا يصير الفكر فكراً حين يستقيل عن بنيته الاجتماعية و تاريخها , محتلاً كامل فضاء البناء الاجتماعي هذا و تاريخه , فيصبح فكراً فاقدأً لهويته التاريخية , سابحاً في فضاء صراع الأفكار لا يحدوه شيئاً إلا فكره , أي لا يحد حده شيء سوى الفكر نفسه , و يصبح صالحاً لكل زمان و مكان . فالإيمان هو هو الإيمان منذ قديم الزمان , و الإلحاد هو هو الإلحاد , أيضا منذ قديم الزمان , و الماركسية هي هي الماركسية منذ أن خلقها ماركس . فيصير التناقض بينها “كدحاً فكرياً” , أي صراعاً فكرياً . عند هذا الحد , أي عند ذلك , تتبرأ البرجوازية السودانية من أزمتها و تصبح أزمة تفكير . أي تنقلب الأزمة من أزمة هذه البرجوازية بالتحديد , إلى أزمة بشكل عام , هي هي أزمة فكرية . و بالتالي , تتبرأ البرجوازية في منطق هذا الفكر , مما هو إدانة لها و تلصقها على ظهر الواقع الاجتماعي ليصير ” واقعاً اجتماعياً ثقافياً “.
أن مأخذنا على الدكتور ليس في منطق فكره , فهو حر يختار ما يشاء من منطلقات فكرية , لأي كاتب كان , أو لأي مفكر كان , إن مأخذنا يمكن تلخيصه على النحو التالي :-
نحن نعتمد في تحليلنا على المنهج الماركسي اللينيني , و الدكتور كذلك , فكيف تكون “الماركسية” عنده , أداة تبرير نظرية تعمل لتبرئة البرجوازية , بدلاً من أداة كشف نظرية تعمل على فضحها .؟
بل كيف يقبل بمنطلقات فكرية هي نقيضة للفكر العلمي مشوٍهه للواقع الاجتماعي ؟
و منذ متى كان للفكر العلمي أداة نظرية تدعى ” واقع اجتماعي ثقافي “, تصلح لإنتاج معرفة علمية بالواقع الاجتماعي ؟
فالمسألة ليست مسألة لفظ بين “واقع اجتماعي” و “واقع اجتماعي ثقافي”, أو استبدال هذه بتلك , أو تلك بهذه دون أن يحدث تغير في المعنى , ولا المسألة مسألة ” مستبصر في أسئلة الاعتقاد الديني” , بل هي مسألة ألفباء ماركسية “للمستبصرين” أو ” لغير المستبصرين”.
إن كان للمفكر الماركسي , غفلة عن هذه الألفباء فعلى الماركسية السلام.نحن نعي فيما نتهم به الدكتور , و نود أن نسأل الكاتب في جريدتكم الكريمة :
هل قرأ المقدمة الشهيرة لمساهمة في نقد الاقتصاد السياسي لماركس ؟ هل قرأها فعلاً؟ ما نظن ذلك , لكن دعونا نأخذ هذا المقطع من المقدمة :
“……..إن النتيجة التي توصلت إليها و التي أصبحت فيما بعد بمثابة خيط هادٍ في أبحاثي اللاحقة , أنما يمكن صياغتها بإيجاز على النحو التالي . تقوم بين الناس , أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم , علاقات معينة ضرورية , مستقلة عن إرادتهم , هي علاقات الإنتاج التي تطابق درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية . و مجموع علاقات الإنتاج هذه يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع , أي الأساس الواقعي الذي يقوم عليه بناء فوقي حقوقي سياسي و تطابقه أشكال معينة من الوعي الاجتماعي . أسلوب إنتاج الحياة المادية يشترط تفاعل الحياة الاجتماعي و السياسي و الفكري , بصورة عامة . فليس إدراك الناس هو الذي يعين معيشتهم , بل على العكس من ذلك , معيشتهم الاجتماعية هي التي تعين إدراكهم . و عندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة المادية درجة معينة من تطورها , تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج الموجودة أو مع علاقات الملكية _ وليست هذه سوى التعبير الحقوقي لتلك _ التي كانت إلى ذلك الحين تتطور ضمنها . فبعدما كانت هذه العلاقات أشكالاً لتطور القوى المنتجة , تصبح قيوداً لهذه القوى . وعندئذ ينفتح عهد الثورة الاجتماعية . ومع تغير الأساس الاقتصادي يحدث انقلاب في كل البناء الفوقي الهائل , بهذا الحد أو ذاك من السرعة . وعند دراسة الانقلابات , ينبغي دائماً التمييز بين الانقلاب المادي لشروط الإنتاج الاقتصادية _هذا الانقلاب الذي يُحدد بدقة العلوم الطبيعية _ وبين الأشكال الحقوقية و السياسية و الدينية و الفلسفية , أو بكلمة مختصرة , الأشكال الأيديولوجية التي يدرك فيها الناس هذا النزاع و يكافحون لأجل حله. فكما أنه لا يمكن الحكم على فرد وفقاً للفكرة التي لديه عن نفسه , كذلك لا يمكن الحكم على عهد انقلاب كهذا , وفقاً لوعيه , بل على العكس ينبغي تفسير هذا الوعي بتناقضات الحياة المادية , و بالنزاع القائم بين قوى المجتمع المنتجة و علاقات الإنتاج ……”. ص 7-8 المجلد الثاني المختارات دار التقدم موسكو 1977 الطبعة العربية.
ترى ماذا يقول ماركس في واقعنا الاجتماعي ؟ أنه يقول : “تقوم بين السودانيين , أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم , علاقات معينة ضرورية , مستقلة عن إرادتهم , هي علاقات الإنتاج التي تطابق درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية . و مجموع علاقات الإنتاج هذه يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع , أي الأساس الواقعي الذي يقوم عليه بناء فوقي حقوقي و سياسي و تطابقه أشكال معينة من الوعي الاجتماعي “. وإلى ماذا تقودنا هذه النتيجة ؟ أنها تقود إلى :” ليس إدراك السودانيين هو الذي يعين معيشتهم , بل على العكس من ذلك معيشتهم الاجتماعية هي التي تعين إدراكهم .”
معنى هذا , إن علينا التمييز ” بين الانقلاب المادي لشروط الإنتاج الاقتصادية _ هذا الانقلاب الذي يُحدد بدقة العلوم الطبيعية _ و بين الأشكال الحقوقية و السياسية و الفنية و الفلسفية , أو بكلمة مختصرة , الأشكال الأيديولوجية التي يدرك فيها السودانيين هذا النزاع و يكافحون لأجل حلَه.”
و النتيجة المهمة التي ينبغي على كل الماركسيين ” بمستبصرهم أم بغير مستبصرهم”
“ناشط شيوعي عادي أو سكرتير حزب شيوعي “ أن يدركوها هي عليهم أن يفسروا “هذا الوعي بتناقضات الحياة المادية و بالنزاع القائم بين قوى المجتمع المنتجة و علاقات الإنتاج”.
أي علينا في حالتنا هذه , أن نفسر الدين بأزمة نمط الإنتاج (أسلوب في النص الماركسي المترجم) الرأسمالي , وليس أن نفسر أزمة نمط الإنتاج الرأسمالي بالدين .
و هذا ما فعله صاحبنا حينما استخدم مفهوم ” الواقع الاجتماعي الثقافي” , فاستحالت الأزمة كلها عنده إلى أزمة فكرية ,لبل استحالت أيضا الماركسية عنده إلى هذه الأزمة بالتحديد. أي تحول التناقض الرئيسي بين الطبقة الثورية النقيض و فكرها العلمي و بين البرجوازية السودانية المسيطرة و فكرها المسيطر , من تناقض مادي , يجد حله في عملية معقدة هي هذا الصراع الطبقي , إلى “صراع فكري” هو في أحسن حالته أزمة فكرية عند الشيوعيين .
فباستخدام هذه الأداة , تسطح الواقع الاجتماعي , على حد تعبير مهدي , و تشوه , و صار صورة لذلك الفكر الذي شوهه , بانتقاله من صعيد التحليل العلمي إلى صعيد التضليل الأيديولوجي , فاستوى عنده ظاهر الشيء و الشيء ذاته . و هنا أخذت حركة الفكر شكل آخر , بانتقاله من موقع الطبقة الثورية النقيض إلى موقع البرجوازية المسيطرة و فكرها المسيطر , هو هو فكر هذه البرجوازية بالتحديد.
فحركة الانتقال هذه هي عملية الصراع تلك . حيث يخضع فيها الفكر لساحة لا فكاك منها هي ساحة الصراع الطبقي بين الطبقتين المتناحرتين , البروليتاريا الثورية و البرجوازية المسيطرة. إذ لا معنى هنا , لصراع فكري في استقلاله عن الصراع الطبقي . فالصراع, طبقي بين مواقع طبقية محددة , في شتى الحقول , وليس فقط في الحقل الفكري أو الأيديولوجي , في إطار هذه البنية الاجتماعية . و بعبارة أخرى ؛ الصراع هو بين موقعين طبقيين متناقضين : موقع الطبقة الثورية النقيض وموقع البرجوازية المسيطرة , في هذه البنية بالتحديد.عنده , أي عند ذلك , يصير لهذه البنية تاريخ , هو هو حركة الصراع الطبقي فيها . أنها تلك القوة المحركة للتاريخ, على حد تعبير ماركس .
و ما للفكر من وجود , إلا في تاريخه , أي في حركة الصراع الطبقي فيه , يطبعه بطابعه , في حقل متميز عنه , لا مستقل منه , هو هو حقل الصراع الأيديولوجي فيه . وما هذا الطابع إلا الطابع التاريخي لحركة هذا الفكر , أي لهذا الحقل في تلك البنية الاجتماعية.
وهذا يقودنا _ كما سبق و ذكرنا _ إلى أن الفكر لا يحمل مبدأ تفسيره في ذاته . إذ ليس على الفكر أن يفسر ما هو في مبدأ تفسيره , على حد تعبير مهدي . بل على العكس من ذلك , أنها البنية الاجتماعية التي تفسر هذا الفكر في حقل تحركه الأيديولوجي , أي في حقل الصراع الطبقي فيها المُحدد(بفتح الدال) بعلاقات الإنتاج المادية في تلكم البنية الاجتماعية , و سيطرته عليها , ليوحد هذه البنية في تاريخه, على حد تعبير مهدي .
و هذا يعني , أن الفكر ليس واحداً في ذاته , بل هو متناقض , بين موقعين طبقيين محددين, في حقل الصراع الأيديولوجي ؛ موقع الطبقة الثورية النقيض و موقع البرجوازية المسيطرة , تعود فيه السيطرة إلى البرجوازية . فالعلاقة بين أيديولوجيتي الطبقتين , علاقة سيطرة , تخضع فيها أيديولوجية الطبقة الثورية النقيض , في شروط الصراع الطبقي المحددة , و في تناقضها معها , إلى سيطرة أيديولوجية البرجوازية المسيطرة.لذا كان هذا الحقل , أي حقل الصراع الأيديولوجي , هو القوة المولدة للمعرفة , أي للفكر ,على حد تعبير مهدي .
فبأيديولوجية البرجوازية وحدها , و فيها , يستقيل الفكر عن تربته المادية و يصبح هائماً لا أرض له , حتى لا تنكشف الضرورة الفعلية للتغيير الثوري, أي حتى لا تنكشف ضرورة التحويل الثوري للبنية القائمة . لتمارس صراعها الطبقي , ضد نقيضها الثوري , من موقعها الطبقي , في شكل “صراع فكري” , فتتنضد في أيديولوجيتها “المستويات الفكرية” , لتستحيل عندها ” أسئلة فلسفية” و “أسئلة سياسية” و “أسئلة دينية” و “واقع اجتماعي ثقافي” و “واقع طبقي**”………….الخ.و تصير مفاهيمها , مفاهيم عامة مجردة من طابعها الطبقي , تخفي من خلالها هذا الطابع بالتحديد.لتنقلب أزمة سيطرتها الطبقية , إلى أزمة عامة ,أي تتبرأ من أزمتها هذه بالتحديد, و بكلمة مختصرة ؛ إن أيديولوجيتها هذه, تشوه معرفة هذا الواقع الاجتماعي.لذا كان فكر هذه الطبقة ,معيق لإنتاج المعرفة العلمية بواقعنا الاجتماعي ,عاجزٌ عن القفز إلى علميته, على حد تعبير مهدي .
و هنا يبرز لنا , أن فكر الكاتب وقع أسيراً لأيديولوجية البرجوازية السودانية المسيطرة هذه, عاجزُ عن الخروج منها , بتبنيه لمفاهيم هي هي مفاهيمها الأيديولوجية. تائه , في محاولة يائسة لنقدها , من موقعها الطبقي . إذ كيف يمكن له نقد مفاهيم هي أسس فكرية لفكره , لتنفتح حلقة النقد عنده , وتنغلق سلسلة الانزلاقات, في حلقة هي ليست مفرغة , بل هي فعلية أي مادية ؟ نعم وبدون مبالغة , فمفهوم ” واقع اجتماعي ثقافي ” هو أثر وهم تولده أيديولوجية البرجوازية المسيطرة , التي تولد حالات التيه هذه , فتظهر في نصه بشكل ” الإشكاليات ” , بشكل مأزق غيبي, لا قدرة لنا على حله , كما رأينا ذلك سابقأّ.و كما سنراه في موقع متقدم من مقالنا هذا.
و هذا ما نجده أيضا عند أحد ممثلي البرجوازية الصغيرة السودانية , مثل الدكتور منصور خالد, في كتاب له بعنوان : الفجر الكاذب , لنأخذ منه هذا المقطع الطريف على سبيل المثال :
”أن المأزق التاريخي بل التمزق الذي يعيشه المجتمع الإسلامي بوجه عام هو تمزق فرضه واقع الحضارة المعاصرة , و فرضه تركيب المجتمع القومي , و فرضته القيم التراثية المستكنة في الأعماق و في واقع الأمر فإن هذا التمزق يعيشه المثقف أكثر مما تعيشه الشعوب , لأن الشعوب تحيا بفطرتها السليمة حياة هامشية خارج إطار العصر طالما ظل مثقفوها يغالطون أنفسهم كما يغالطون واقعهم و هم يدعون للنضال أو الجهاد ( حسب مقتضى الحال ) من أجل التجديد أو التحديث أو التثوير أو البعث أو الصحوة دون تحليل موضوعي ممنهج للتطور الحضاري العالمي , أو التكوين ألفسيفسائي للمجتمعات المركبة, أو الكيمياء الثقافية للمجتمعات الانصهارية , أو القوة الفاعلة للقيم التراثية المستكنة في أعماق الشعوب …….” ص 17 المقدمة الفجر الكاذب دار الهلال طبعة 1986 .
و نسي أن يقول “أو القوة الصاروخية البالسيتية للفكر العابرة لعشرة قرون ماضية”.على كلٍ ,مدهش و غريب هذا التطابق أليس كذلك ؟
(المجتمع الإسلامي ) و ( التمزق الذي يعيشه المثقف) عند منصور يقابله ( واقع اجتماعي ثقافي ) و ( إشكالية الاعتقاد الديني عند الشيوعيين ) عند حسن .
لن نطيل هنا , سنترك عناء النقد للقارئ ليتبحر في جوانب هذه الفقرة . وإن خذله نقده فما عليه إلا أن يعود إلى كتاب ” أزمة حضارة عربية أم أزمة برجوازيات عربية ؟ لمهدي عامل . و هنا لنا ملاحظة صغيرة نضعها بين قوسين :
(يجد القارئ عند قرأته لهذا الكتاب نقد علمي لمفهومي ” التخلف ” و ” الخصوصية “بالإضافة إلى مفهوم “الاغتراب” الذي ذكرناه في ملاحظة سابقة لنا . المفهومان اللذان يستخدمهما الشيوعيون السودانيون بكثرة كوصف علمي لمجتمعنا الكولونيالي , بل ونجدهما في برنامج و دستور الحزب المقر في المؤتمر الخامس لعام 2009 , دون نقد لهما يكشف العلمي لكل منهما عن الأيديولوجي . وهذا إن دل على شيء , أنما يدل على مدى سيطرة أيديولوجية البرجوازية الكولونيالية, حتى على قيادة الطبقة العاملة السودانية و خطها السياسي. نعتقد أن مراجعة نقدية جادة , كفيلة بتحرير أيديولوجية الطبقة الثورية النقيض من مفاهيم نقيضها الطبقي . ولنا في هذين المفهومين مقال , نبحث فيه بمزيد من التفصيل أثرهما على سيرورة الحركة الشيوعية السودانية كحركة تحرر وطني ).
مادية الفكر ومثاليته
تعلمنا الألفباء الماركسية على أن هناك سؤال مركزياً في الفكر ألا وهو:
هل الوعي الاجتماعي يسبق الوجود الاجتماعي أم العكس ؟. أو قل , هل للقوانين الموضوعية للعالم الذي نعيشه وجود , خارج عن وعينا و إرادتنا , أم أن نفس تلك القوانين , تتم من خلال وعينا ؟.
وبعبارة أخرى ؛ هل المادة تسبق الوعي , أم أن الوعي يسبق المادة ؟
فإذا كانت الإجابة , أن الوعي الاجتماعي يسبق الوجود الاجتماعي ( أي المادة) , كانت الفلسفة مثالية , أو قل كان الفكر فكراً مثالياً.
و إذا كانت الإجابة , أن الوجود الاجتماعي يسبق الوعي الاجتماعي , كانت الفلسفة مادية, أو قل كان الفكر فكراً مادياً.
بهذا السؤال المركزي يمكن اعتبار الفكر عبر تاريخه , بأنه صراع بين المثالية و المادية , فلا وجود لفلسفة مادية صافية عبر التاريخ . ونجد أمثلة على ذلك , مثل مادية أرسطو , أو مادية ديكارت , أو مادية فيورباخ , أو مادية باكون , و من تاريخ العربي الإسلامي نجد مثلاً مادية ابن خلدون ( والتي هي شكل آخر من مادية الفكر العلمي نفسه ), و كما أنه لا وجود لفلسفة مثالية صافية مثل فلسفة هيغل , أو فلسفة الكندي ,أو فلسفة ابن عربي ,أو فلسفة ابن سينا ………….الخ . وهنا لدينا ملاحظة نضعها بين قوسين :
(بالمناسبة نجد مثل هذا الطرح عند الأستاذ الشهيد محمود محمد طه في ندوة له بعنوان ” الماركسية في الميزان ” في أكتوبر 1973 . وهو أن دل على شيء , إنما يدل على مدى سعة فهمه للماركسية , بل و أيضاً يدل على قوة الفكر المادية عند انتقاله إلى موقع الطبقة الثورية النقيض , حتى لو لم يكن هذا الفكر فكراً مادياً , أي حتى إن كان هذا الفكر فكراً مثالياً في إدراكه لذاته . فالذي يسبق هنا هو وجود الفكر و ليس وعيه لذاته , بل أن الأول هو الذي يحدد للثاني مسار تحركه , في حقل هو حقل الصراع الأيديولوجي بين الموقعين الطبقيين المتناقضين. الطرح الذي لا نجده مثلاً عند متمركسي حزبنا , بانتقال فكرهم إلى نقيض الموقع الذي انتقل إليه فكر محمود محمد طه , إي إلى موقع البرجوازية المسيطرة . لكن هذا لا ينفي أن هناك تناقض في فكر الشهيد , بل على العكس من ذلك , فالتناقض له حضوره في فكر الشهيد , بين الموقع الطبقي الذي انتقل إليه فكره , وبين الفكر الذي ينتمي إلى فكر نقيضه, في الحقل المعرفي لفكره كحقل للصراع الأيديولوجي بين الموقعين الطبقيين , وهي قضية تحتاج إلى المزيد من البحث . و على كل حال , سنعمل على دراسة فكر هذا الشهيد في مقالات قادمة لنا .)
إذن , قضية مادية الفكر و مثاليته , قديمة قدم الفكر نفسه , أو الفلسفة نفسها , وهي تخضع كأي شكل من أشكال الوعي الاجتماعي إلى شروط تاريخية اجتماعية محددة في كل مرحلة من مراحل تطور تاريخ البنية الاجتماعية.
وهذا ما لم يدركه صاحبنا و السبب هو “إشكالية الإيمان و الإلحاد” . فهو تناول هذين المفهومين دون نقد , بل على العكس تماماً , فهو قبلهما قبولاً تاماً في منطق فكره, دون أن يحرك ساكناً , فاختلط عليه بين ما هو مادي أو مثالي , وبين ما هو ملحد أو مؤمن .و إلا ما معنى قوله : ” طبعاً هذا لا يعني أن الأستاذ محمد إبراهيم نقد ينكر وجود نوع الشيوعيين الملحدين إلحاداً مؤسساً على المستوى الفلسفي …….”.
هذا الخلط ظهر له في شكل ارتباك , في شكل إشكالية . و بعبارة أخرى ؛ فهو رفض الإلحاد من موقع القبول به, أي حاول أن ينقد الإلحاد بتبنيه لمفهوم الإلحاد ذاته , لا بنقده لمفهوم الإلحاد في حد ذاته.
قد لا تكون الفكرة واضحة للقارئ , لكن لنورد النص الذي أوردناه سابقاً في الصفحة4 – 5 مع النص الوارد أعلاه في هذه الصفحة , لنحصل بالتالي على النص الوارد في الجريدة كما ورد بأكمله:”..وفي هذا السياق السياسي , أفهم العبارة المنسوبة لسكرتير الحزب الشيوعي في حديث صحفي : ما في ملحدين في الحزب الشيوعي , كمحاولة يائسة لردع الشيوعيين السودانيين عن التمسك بتهمة الإلحاد التي ألصقت بهم افتراءا فقبلوها كتهمة مرموقة نكرانها يوقعهم في الحرج الرمزي و قبلوها لا يخفف من غلواء البروباغاندا العادية. طبعاً هذا لا يعني أن الأستاذ محمد إبراهيم نقد ينكر وجود الشيوعيين الملحدين إلحاداً مؤسساً على المستوى الفلسفي ………”.
فبدلاً من أن يسأل : هل الفكر الماركسي فكر مادي ؟
سأل : هل الفكر الماركسي فكر ملحد ؟
و بدلا من أن يسأل أيضاً : كيف يُفكر(بضم الياء) ماركسياً؟.
سأل : كيف يفكر إلحادياً؟.
أي ألصق على فكره التهمة التي نفاها فكره في البدء , وانزلق إلى موقع البرجوازية المسيطرة , متبنياً ذات المفاهيم , فشُلَت عملية نقده , وصار للفكر منحى آخر , هو منحى رفض النتائج التي توصل إليها هذا الفكر نفسه ., كما سبق و بينا ذلك .
فهو في نصه هذا , انزلق مرتين : مرة بتبنيه لمفهوم ” واقع اجتماعي ثقافي “, و مرة لتبنيه مفهومي الإيمان و الإلحاد دون نقد.
في الطرح مجدداً
كما قلنا سابقاً إن مشكلية الإيمان و الإلحاد, مشكلية فكرية خاصة بالفكر الديني, لها شروط تاريخية اجتماعية محددة , في مرحلة تاريخية محددة من تاريخ البنية الاجتماعية , في ظل شروط من الإنتاج هي علاقات الإنتاج الما قبل رأسمالية . اتخذ فيها الصراع الطبقي شكل الصراع الأيديولوجي , أو الصراع الديني , فصراعها الطبقي كان صراعاً دينياً. وهي مشكلية تختلف عن وقتنا الحاضر باختلاف الشروط التاريخية الاجتماعية إياها . أي باختلاف علاقات الإنتاج ما قبل الرأسمالية عن علاقات الإنتاج الرأسمالية. وهنا نترك النص لهذه الملاحظة الهامة:
(إن الشيء الذي يظهر لنا في شكل خلط , هو في الحقيقة يتضمن شكل معين من الفهم لحركة التاريخ . أي أن فكر الكاتب ينظر إلى هذين المفهومين في إطار حركة معينة من التاريخ , يتولد فيها الحاضر نتيجة لاستمرار الماضي فيه , لا نتيجة للقطع معه .
فحركة التاريخ عنده هي حركة استمرارية , لا مكان فيها للثورات أو القفزات البنيوية . بل هي عبارة عن خط مستمر متصاعد دوماً من الماضي إلى الحاضر , في شكل لا يظهر الحاضر فيها , إلا كتحضَر للماضي , وهي ذات المنطق الهيغلي لحركة التاريخ . قد لا يكون هذا المنطق واضحاً في النص , إلا أن له أثار في نصه . فاستخدامه لمفهوم الإلحاد في حد ذاته , دون أن يبرز الطابع التاريخي له , يشير إلى المنطق الهيغلي هذا .
إن الحاضر هو الذي يملك مفتاح الماضي وليس العكس , على حد تعبير ماركس . فحركة التاريخ ليست تواصلاً أو تتابعاً , للماضي في حضوره في الحاضر , بل هي حركة تقطَع , أو قل حركة قطع , بحيث يجد فيها الحاضر ضرورة قطعه مع ماضيه , و ما هذه الحركة إلا حركة تقطَع أنماط الإنتاج في البنية الاجتماعية , بشكل يستحيل معه , قراءة نمط الإنتاج الرأسمالي مثلاً , في أنماط إنتاج سابقة عليه , ولتكن مثلاً أنماط إنتاج ما قبل رأسمالية (استبدادي , عبودي…) , بل يجب قراءته في ذاته , أو في حضوره لذاته , على حد تعبير مهدي .كما لا يمكن قراءة مثلاً مشكلية الإيمان و الإلحاد كمشكلية خاصة بالفكر الديني في ماضي هذا الفكر , بل يجب قرأتهما في الحاضر , في البنية الاجتماعية الحاضرة.أي في اختلافهما عن حضورهما في البنية الاجتماعية الما قبل الرأسمالية.
فحركة تخالف الفكر هي حركة تقطع أنماط الإنتاج هذه في البنية الاجتماعية, الحاملة له و المفسرة له . وإن كان لنا مأخذ على فكر الكاتب فلأنه قرأ الحاضر بالماضي , و ليس الماضي بالحاضر .
فالعلاقة بين الحاضر و الماضي , انقلبت في فكر الدكتور , من علاقة يجد فيها الأول شرط تقدمه , في ضرورة تخطيه للثاني , إلى علاقة يجد فيها الأول استمرارية لما كان عليه في الثاني , أي من علاقة قطع بنيوي إلى علاقة استمرارية , هي هذا الشكل الهيغلي لحركة التاريخ ,أقام فيها فكر الكاتب , علاقة تماثل بين حاضر البنية الاجتماعية و ماضيها . فمحى حد الاختلاف بينهما . و صار التماثل في فكره قائم , بين الفكر في حاضره و بين الفكر في ماضيه . بهذا التماثل , أخذ الفكر منحى آخر , هو منحى تشويه ماضي الفكر , و حاضره, أي , بعبارة أخرى ؛ أخذ خط تشويه التراث .
فهذا الشكل الهيغلي لحركة التاريخ , و بالتالي لحركة الفكر عند الدكتور , هو أساس أيديولوجية البرجوازية السودانية في تملكها المعرف لتراثنا , أي في الطريقة التي تقوم أيديولوجية هذه الطبقة بتشويهه بإعادة إنتاج له , و في إعادة الإنتاج تملك معرفي لهذا التراث .
فالتراث , كغيره من حقول المعرفة , خاضع بدوره إلى حقل الصراع الطبقي , بين الموقعين الطبقيين المتناقضين. وبانتقال الفكر من موقع الطبقة الثورية النقيض إلى موقع البرجوازية المسيطرة , ينتقل التراث , كموضوع للفكر , من الموقع الذي يجد فيه حقل تحريره بكشف حقيقته العلمية , بإعادة إنتاج له , أي بإعادة تملكه المعرفي, وفي إعادة التملك تحرير له, إلى الموقع الذي يجد فيه التراث حقل تشويهه, بإعادة إنتاج له , و في إعادة الإنتاج تملك معرفي له, فالحاضر هو الذي يملك مفتاح الماضي وليس العكس.
الأمر الذي نجده عند منظري هذه الأيديولوجية مثل الدكتور حسن الترابي , أو الدكتور حسين مكي ……الخ , بل الأمر الذي نجده أيضاً حتى عند نقيضها الثوري , مثل الأستاذ محمد إبراهيم نقد في كتابين له ” علاقات الأرض في السودان ” و ” علاقات الرق في المجتمع السوداني “ . و لنا مع الأستاذ نقد مقال,نحاول أن نقرأ فيه هذين الكتابين , قراءة نقدية.
وإن أراد القارئ التوسع أكثر في قضية التراث و الموقف العلمي منه , يمكنه العودة إلى أحد هذين الكتابين الأول: لغرامشي العرب “أزمة حضارة عربية أم أزمة برجوازيات عربية ؟”
و الثاني: لحسين مروة ” النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية” .)
أيديولوجية البرجوازية السودانية ليست أيديولوجية دينية
إذن ,فالبرجوازية السودانية كبرجوازية كولونيالية (و لأسباب كثيرة نذكر منها على سبيل المثال و بدون الدخول في تفاصيل استنتاجها: التبعية البنيوية للإمبريالية , التكون السياسي المستقل للطبقات الكادحة منذ بداية الثمانينيات, النظام السياسي لأزمة سيطرتها الطبقية ) تميل في صراعها الطبقي , ضد نقيضها الثوري , أي الطبقة العاملة, في حقل الصراع الأيديولوجي الراهن , إلى توسل الإسلام , على حد تعبير مهدي, فتحاول أن ترى في فكر نقيضها الثوري فكراً ملحداً , في حين أنه فكر مادي . ليتأسلم فكرها الرجعي في حقل هو حقل الصراع الطبقي , بين الطبقة الثورية النقيض و البرجوازية المسيطرة الرجعية.
فأيديولوجية البرجوازية السودانية ليست أيديولوجية دينية , بل هي أيديولوجية برجوازية رجعية فاشية عنصرية تتوسل الإسلام ,في صراعها الأيديولوجي الراهن , ضد فكر الطبقة العاملة , أي ضد الماركسية اللينينية.فتحاول النيل من مادية هذا الفكر , بأخس الوسائل , و أحطها . و ذلك بتمويه التناقض الفعلي القائم بينها و بين الطبقة العاملة , بأنه تناقض بين الإسلام و الماركسية , بين الإيمان والإلحاد . وهنا يظهر لنا ,للمرة الثالثة, أن الخلط الذي قام به صاحبنا ليس ببريء , في آخر المطاف.ف “جديد هذا الفكر( الماركسي:من عندنا) ماديته المتميزة التي_ هنا نترك النص لمهدي_ يفهمها الفكر الديني إلحاداً , أي كفراً بالله , وهي ليست إلحاداً , لأن المقياس الذي تقاس به ليس وجود الله أو عدم وجوده . في معزلٍ عن كل غيب , وتالياً , عن الله كوجه من وجوه الغيب , تتحدد المادية بموضوعية العقل في التاريخ وفي العالم . وهي, لهذا , تطبع الفكر العلمي . فلا غيب و لا ما فوق , وإلا : باطلاً كان العلم , و كان السحر وحده باقياً , بانتفاء العلم . أما أن يكون الله محور التمييز بين المثالية و المادية , فهذا ما لا يقول به سوى فكر ديني يردَ التمييز هذا إلى تمييز بين الإيمان و الإلحاد . ديني هو الفكر الذي يتحدد الله كمحور لمشكليته الأساسية , سواءاً أكان إيمانياً أم إلحادياً . ذلك أنه يتماسك , في إيمانه أو إلحاده , بمشكلية الفكر الديني التي تؤمن له لحمته الداخلية . فهو ,إذن ديني , حتى لو قال بالإلحاد, لأنه قائم على تربة الفكر الديني.إنه, في تعبير آخر , أسير مشكليته . بهذا المعنى يمكن القول عن فكر إلحادي كفكر الرازي مثلاً , أو كغيره من الإلحاديين في الفكر الإسلامي , إنه فكر إسلامي . من حيث أن مشكليته , في إلحاده بالذات , هي مشكلية هذا الفكر الديني التي هي مشكلية التوحيد. بهذا المعنى , أيضاً , يمكن القول عن فكر فورباخ , مثلاً , في نقده الدين , في كتابه “ماهية المسيحية” , إنه فكر ديني. فنقد الدين ليس إعلاناً للحرب على الله ,ولا ينحصر في الإلحاد , و لا يتم على أرض الدين ومن موقعه.يكون , بالعكس , بتحديد الشروط التاريخية المادية لوجوده الاجتماعي , ولظهوره, أيضاً , في شكل وجوده الغيبي . يكون نقد الدين من موقع نقيض للموقع الذي يتحرك فيه في حقل الصراعات الاجتماعية, و على أرض هذه الصراعات , و في هدف تحويل مجراها في اتجاه إنجاح سيرورة التغيير الثوري.فالهدف الأول و الأخير هو هذا التغيير و تحقيق ضرورته . هدف النقد مادي , لا غيبي . يجب التمييز , إذن , بين نقد غيبي للدين , كالنقد الفورباخي, هو نقد له من موقع الفكر الديني ,ونقد مادي , كالنقد الماركسي ,هو نقد له من موقع نقيض هو موقع الفكر المادي الثوري. فالقول بالإلحاد لا يقود بالضرورة إلى موقع مادي . هذا يعني أن بإمكان الفكر أن يكون إلحادياً وأن يكون , في آن, غيبياً . لكن طبيعي أن يكون الفكر المادي إلحادياً , لا بمعنى إلغاء الله و نفيه لذاته و بذاته , بل بمعنى إلغاء كل غيب , أو إلغاء ما وراء الوجود من وجود غيبي خارج عن الوجود , حاكم له . مثل هذا الوجود له في الفكر المادي طابع الوجود الأسطوري أو السحري , وله , في طابع وجوده هذا نفسه , فاعلية الوجود المادي . ما نريد قوله , دون استرسال في معالجة قضية فلسفية بعيدة عن سياق بحثنا , هو أن مادية الماركسية تتحدد من خارج علاقة الإيمان والإلحاد , أي من خارج مشكلية الفكر الديني . و هذا , بالضبط , جديدها الذي استعصى فهمه على أتباع ذلك الفكر السلفي .” ص 228-229 نقد الفكر اليومي مهدي عامل دار الفارابي بيروت الأعمال الكاملة الطبعة الثانية 1989 .
كان بودنا الإطالة , و هذا ما لا تسمح به مقالتنا , التي تستند إلى هذه الدراسة الرائعة لمهدي عامل , لكن بوسع القارئ أن يعود إليها , إن أراد .
فالقضية أذن _ حسب هذا النص _ ليست ” إشكالية اعتقاد ديني” أو ” إشكالية الإيمان و الإلحاد ” , كما يقول متمركسو حزبنا , بل هي قضية , التحرر من سيطرة إيديولوجية البرجوازية السودانية المسيطرة, بنقدها , من موقع نقيضها الطبقي , في إطار عملية, هي سيرورة التحويل الثوري للسودان القديم , التي حولته هذه البرجوازية إلى خراب, لبناء السودان الجديد على انقاضه , على حد تعبير قرنق, بفكر جديد هو هو فكر الطبقة الثورية النقيض , في زمن الانتقال الكوني إلى الاشتراكية.
في المراجعة النقدية
نقول المتمركس , وليس الماركسي , فحين يتمركس فكر البرجوازية الصغيرة و يلبس لبوس الماركسية , تصير هذه الماركسية غريبة عليه , ويصير هو غريبة عليها , ويعجز بالتالي , عن فهمها , أي يعجز عن إدراكها , لأنه قرأها بعين هي ليست عينها , بل بعين نقيضها , فتتمركس عين هذا النقيض ,إي يتمركس فكر البرجوازية الصغيرة, في حلقة هي ليست مفرغة , بل هي فعلية أي مادية , لتظهر في فكرها بشكل ” لولوة فلسفية”, منشورة على صفحات فكرها اليومي , من الجرائد و الصحف وصولاً إلى صفحات الانترنت .
لن نطيل , فتلك كانت البداية , في محاولة نقدنا , لفكر الكاتب , ولا نظن أنه سيوافق على ما جاء في مقالنا . لكن أردناها مناقشة حية , في جريدتكم الكريمة , مناقشة لا في الكتب فقط , بل و أيضاً في المجلات و الصحف . في محاولة منا لبناء ورشة فكرية كبيرة , لاستثارة حوار حول ما بدا لنا مراجعة نقدية جادة , لفكر الحزب و نظريته و خطه السياسي و علاقته بجماهير الطبقات الكادحة و برنامجه و دستوره.
مراجعة نقدية , لا من موقع الاستخفاف بجهد المناضلين طوال عقود , بل من موقع النقد البناء الساعي لبناء جديده المعرفي في نظرية ثورية , بل النقد الساعي لمراجعة هذا الجديد في حال جموده , في إطار مراجعة نقدية مستمرة , لا تتوقف أبداً.
لكن , حتى ذلك الحين , ما الذي يمكن قوله في فقرة ” الصراع الفكري” المادة 6 من دستور الحزب )؟
لا أملك, حتى الآن, إلا أن أجيب: “الصراع الفكري” ؟؟؟!!!!………………..”أعوذ بالله”!!!!!.
……………………………………
الملاحظات : * من مقالة الدكتور عبد الله علي إبراهيم , الواردة على موقع “سودان للجميع” تحت عنوان “عبد الخالق محجوب : الإسلام و غربة الماركسية”
** الصفحة 6 من مقالة للدكتور حسن موسى بعنوان” ماذا نفعل ب”مشكلة الشرق الأوسط”؟.” على موقع “سودان للجميع”


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.