{ أحس بعافية شديدة هذه الأيام لاتكائي على ظل شغفي القديم الفن الدرامي حيث قد مللّت رهاب الانتخابات الذي أصابني وأرهق روحي من التلفت يمنة ويسرى لإيجاد موضوع مواكب للحملات والمُرشّحين. { فاليوم يرفع ستار آخر من ستارات عمر المسرح في العالم أجمع.. وفي السودان يتخذ الاحتفال دائماً وضع الجلوس (البوذيّ) لتمجيد (المسرح الوطني) وحده لليوم دوناً عن (المسرح القومي) فقط لذكاء بعيد النظر للسيد (علي مهدي) في إطلاقه اسم الوطني على المسرح الخاص تيمُّناً بهذه التسمية عند كل الدول العربية. { وإطلاق القومي على مسرح الدولة جعله في نظر الدول العربية خاصاً فقط لأن للقومية مفاهيم فضفاضة لا يمكن أن يحتويها مسرح للدولة. { هذه الحقيقة بجانب الجهد الكبير لفريق إدارة المسرح الوطني التي صنعت من اليوم العالمي للمسرح مشهداً تنافسياً لخلق حالة توازن سنوية بين المسرحيين الشباب والأساتذة في المركز والولايات بالعمل نصوصاً وتمثيلاً وإخراجاً وأزياء وديكوراً مجموعة بسنوغرافيا العرض بجانب التحكيم والعرض المتميز.. جعلوا من المسرح القومي ممثل مساعد مهما بلغت موهبته الأدائية. { ولن أكون بكائية في تمجيد نوابغ الأعمال المسرحية والانتحاب على الزمن الذهبي للمسرح.. لكن بمعقولية عيون المشاهدين فإن المسرح الآن بعافية شوية وقد تحول بقدرة الاقتصاد الى منصة للحفلات الجماهيرية وتخريجات الجامعات ورياض الأطفال وبعض المسرحيات بالغة الكسل الإنتاجي. { المراقبون ولن أقول النقاد يعزون الأمر إلى الدولة وعدم اهتمامها بالفنون عموماً وبالمسرح خاصةً، وأن مقولة (اعطني مسرحاً أعطك أُمة) لا تحفل بها عقول القياديين في وزارة الثقافة أو مجلس الوزراء، لأسباب قلّ ما تتعلق به هو الشوون الأهمّ من توحيد الفرقاء الى توطين الشعب. { بجانب أن الجدل مازال مفتوحاً على فضاء الصمت بين فقهاء الدولة ومهمومي العمل المسرحي في إيجاد تبرير مريح للصرف عليها من مال الدولة.. وأولويات ميزانية وزارة الثقافة. { لهذا فإن الاتجاه المعاكس هو المسرح الخاص وبالتالي مرة أخرى هو المسرح الوطني. { إنّ ضرورة الإيمان بأهمية المسرح الآن لعكس الكثير من القضايا المتعلقة بالوطن بداءً من السلام وحتى وفيات المواليد أو (زواج العفّة) كما يُسمَّى هي ضرورة مرحلة واجبة لأن الشعوب في كل العالم تميل إلى الفنون حينما تيأس من الحكام انظروا تجربة لبنان في ذلك ونحن كشعب مللنا حد الظمأ من الخيارات السياسية لحلول المشاكل العالقة في مجتمعنا.. لكننا لا نجد من نتَّجه اليه، فنقبع مُبوِّزين في المنازل نلعن ظلام الجهل السياسي لأهمية المسرح ولا نجد شمعة أو كبريتة مسرحية يمكن أن تضيء ليل هذه العتمة. { المحزن بلا هوادة أن هناك رجالاً يُنسبون إلى المسرح يتخذون كراسي حاكمة يمكن، وبلا إساءة نفوذ، أن يعيدوا للمسرح القومي قليل رونقه القديم، لا من ناحية بنيته التحتية وتحسين رواتب موظفيه فقط، إنما باستدامة العروض فيه كمسرح يمثل الدولة، ولا يهم بأي بوق ستتحدث المسرحية المهم أن تنطق. { إن هيمنة السياسة على الفنون، وبشكل خاص جداً المسرحية، أحال العلاقة بين ممارسيها من الطرفين إلى توتر قابل لاشتعال التمرد والمعارضة. لهذا يُسبغ على معظم العاملين في مجال الفنون المسرحية وصفات مثل: (شيوعي) و(معارض) أو (كادر)...إلخ.. { وإذا كان أيٍّ من هذه الصفات فنحن كأمة يهمنا عطاءه على خشبة المسرح، وليعتقد في كواليس المسرح ما يود أن يكون. { شخصياً لا أتفق مع الفكر السياسي للأستاذ الكاتب (إسحق فضل الله) لكني سأشاهد مكررة أي عمل مسرحي يكتبه وإن كان عن شهداء الميل أربعين. { إن المسرح في السودان الآن يحتاج الى أيام غير معدودات من العمل الجاد والورش المسرحية الداخلية لمسرحيين سودانيين حقيقين في القضايا الوطنية والإنسانية لتعزيز مفهوم الفن المسرحي القومي والوطني على السواء. { ولتمزيق الستار القديم الفاصل بين العمل المسرحي والعمل السياسي.