إن الطيور لا تغادر أوكارها لتبحث لها عن «أريح سكن» في موقع آخر خارج فضاء الوطن، إلا تحت ضغوط تجبرها على هذا الانتقال والفراق على طريقة «الطريفي لجمله»، فكيف بالإنسان الذي يرتبط بتراب وطنه. حيث (صُرته المدفونة. ودفن «الصُرة» هنا ليس مجرد «عادة» تنتهي وظيفتها بانتهاء «مراسم الدفن» إنما لها بُعد روحي، فكما كانت هي الحبل الغذائي ودفقة الحنان والأمان بين الأم وطفلها، كذلك نجد أن «الصُرة المدفونة» ما هي إلا رمز آخر من رموز العلاقة الوثيقة التي سوف تربط الطفل بتراب وطنه. فالوطن هو الأم الثانية التي يستمد منها كل العادات والتقاليد السمحة وكل إشراقة ضوء فنية وعلمية ورياضية واجتماعية واقتصادية، ...إلخ.. من ثم يصبح الابتعاد عن الوطن، ابتعاداً عن «جاذبية» كل الملامح التي تشكِّل إنساننا. لذا فإننا نجد أن الذين غادروا هذا الوطن في هجرة، بحثاً عن رزق، والرزق هذا يمكن أن يكون «لقمة عيش كريمة» أو «استزادة من العلم» أو «تنفس مناخ معافى من الإبداع»، من ثم فإن هذا الإنسان المهاجر يتمنى، إن وافته المنية في الغربة، أن يوارى جثمانه بأرض وطنه.. ما يعني العودة إلى «صُرته المدفونة» ليبقى قريباً منها في «موته» بعد أن أُجبر على فراقها في «حياته». إن حجم الوطن يكبر بحجم عطاء ابنائه، يكبر بحجم الحب والسلام والشموخ في أعماقهم. إن عودة السياسيين وحدهم من مهاجرهم لن تزيده اتساعاً، إنما العودة الحقيقية تتمثل في تلك الأدمغة التي هاجرت إلى بلاد «طيرها عجمي»، والمناشدة وحدها للعودة إلى «ضل الدليب» لا تكفي ولكن الأهم كيف نحرص على «بقاء» الذين يستجيبون لتلك الصيحة.. العودة إلى أرض المنبت والجذور.. إلى «الصُرة المدفونة». إن أغلب مُرشّحينا الآن اتجهوا نحو جماهيرنا الكادحة المغلوبة على أمرها «يستعطفون أصواتهم» ويغازلونهم ب«أرق» الشعارات، ولعل ذلك «السلوك» يصب في «حسنات» الانتخابات إذ تعود بمُرشّحينا إلى «صُرتم المدفونة» والصُرة هذه المرة هي «هذا الشعب الأبي» المضيء الساطع الذي لا يتم تذكره إلا في «ليلة الانتخابات».. فمن يستطيع استعادة «صرته المدفونة» بلا تدليس أو خداع أو تزوير؟! { مسطول دخل مع إبليس صندوق، شال الصرفة الأولى وقال: بسم الله.