الأستاذة مشاعر عبد الكريم (في ما يتعلق) تحية طيبة أمسك قلمي للمرة الثانية وأنا أكتب للصحيفة الخبطة في عالم الصحافة، مشيداً بتلك الطفرة التي لمسها كل القراء بدون إعلانات مثيرة أو أضواء مبهرة، فكل حرف يكتب فيها يعبر عن فكرة أو يسلط الضوء على تلك المثالب التي تزخر بها الساحة هذه الأيام وما أكثرها. دعوني أدخل في لب موضوعي الذي أثارته الأستاذة مشاعر صاحبة عمود (في ما يتعلق) بالحديقة الدولية ويبدو لي أنها من المتابعات لهذا الملف. فأرجو أن تأذنوا لي بتسليط المزيد من الضوء على هذه الحديقة الدولية لعل الكثير من الناس يمرون يومياً بمداخلها المتعددة الحديقة دون الانتباه إلى ماهية هذه المساحة الطويلة العريضة، والقصور ليس من جانبهم، ولا أريد أن أبدأ مقالي بلوم أحد، بل هدفي التنوير وتوصيل معلومة لمن يهمه الأمر حتى نرى هذه الحديقة اسماً على مسمى. تقدر مساحة الحديقة الدولية بحوالي 30 فداناً تقريباً، منحت لمجلس الصداقة الشعبية العالمية، وهي عبارة عن مشروع سياحي يقع بالقرب من مطار الخرطوم الدولي قصد منه إنشاء مساحات خضراء تتخللها نشاطات للسودانيين والمقيمين، وتم توزيع مساحات مختلفة منها لجمعيات الصداقة مع شعوب العالم إذ تقوم كل جمعية بإنشاء مقرها بالتعاون مع السفارات التي لها تمثيل دبلوماسي بالسودان، وفي ذات الوقت تكون لها جمعية صداقة مع ذات الدولة المعنية بالأمر، فيكون النشاط ثلاثي الأضلاع، يتكون من مجلس الصداقة الشعبية العالمية، وهو المظلة التي تنضوي تحت لوائها كافة الجمعيات، وجمعية الصداقة المنتسبة إليه، بجانب السفارة. ومن شروط إدارة الحديقة أن يراعى عند تصميم موقع الجمعية أن تكون المباني والمناشط ذات طابع يعكس ثقافة البلد الذي تمثله وموروثاته الحضارية والتاريخية مما يتيح للزائر التعرف على نماذج من الحياة بتلك البلاد، وهذا نظام معمول به في عدة دول من العالم ويلاقي نجاحاً منقطع النظير، لذلك حرص مجلس الصداقة الشعبية العالمية أن يكون للسودان وجود في مثل هذه الأنشطة والتي تعتبر شعبية لأنها تعكس حياة الشعوب، وقد كان المبادر بذلك فأفرد مساحة معتبرة من الحديقة سميت بقرية التراث السوداني تحوي فولكلوراً شعبياً يعكس ثقافة وحضارة السودان المتنوعة، وتضم القرية مجموعة من قبائل السودان المختلفة تمثل عادات وتقاليد كل قبيلة مما يجعل الزائر ملماً بهذا التراث القيم الزاخر بكل أنواع المفاجآت المعبرة التي تشد انتباه كل من يزور هذه القرية، وما زالت خطوات الإنشاءات جارية لم تكتمل بعد. لقد كان مجلس الصداقة سباقاً في الخطوات التي يجب على الجمعيات اتباعها وترك لهم حرية التنفيذ فأعطى كل جمعية المساحة المقدرة لها على أن تقوم بإعداد سقف زمني، ومن هنا بدأت الأهداف الرئيسية تتثاقل الخطى، ويوجد عدد قليل من الجمعيات لا يتعدى أصابع اليد قامت بعمل منشآتها بطريقة ربما لم تكن تحمل الطابع والمضمون الذي يجب أن تكون عليه، فأقامت مبان متواضعة لا علاقة لها بالبلد الذي تمثله وهنا فقدت الحديقة عالم الرونق والبهاء، الذي تم ذكره آنفاً فصار المنظر الموجود حالياً ليس بالجاذب للمشاهد كما أن هنالك بعض الجمعيات منحت مساحة أرض لم تقم حتى بتسويرها رغم مرور مدة كافية وحتى التي حاولت أن تعمل أسواراً لها عن طريق الزراعة واجهت مشكلة الري الدائم، وهي مشكلة حقيقية، خاصة تلك الجمعيات التي تعتمد في ري زراعتها على إدارة الحديقة حيث تتوقف طلمبات الإمداد بشكل متكرر مما يعرض الزرع للهلاك والجفاف وبذلك تنعدم الخضرة ويبقى الشجر كالحاً وهذه الصورة عكستها الأستاذة مشاعر عبد الكريم عبر عمود (في ما يتعلق) مما جعلني أكتب حول هذا الأمر من واقع تجربتي بوصفي«أميناً عاماً لجمعية الأخوة السودانية الكويتية» والتي بكل أسف لم تقم بعمل منشآت لها حتى كتابة هذه الأسطر. كيف يمكن تلافي هذه الأخطاء لتعود الحديقة الدولية كما ينبغي: لتصبح الحديقة جاذبة معنىً ومضموناً ? يمكن تدارك الأخطاء الحالية لتبدأ منذ تشكيل اللجان التنفيذية المناط بها تسيير عمل الجمعية إذ يتم تشكيل هذه اللجان بصورة هي أقرب إلى الفوضى منها عملاً منظماً جاداً ومنضبطاً. كيف يتم ذلك؟ عندما يعلن فتح باب العضوية للجمعية المراد تشكيلها، يتم حضور مجموعة من الأفراد لهم الرغبة في الانضمام للجمعية المعنية بالاجتماع، دون أن تكون لهم عضوية سابقة تؤهلهم لهذا الحق من حيث اكتمال إجراءات التسجيل مثل ملء استمارة العضوية وقبولها قانوناً ودفع رسوم التسجيل وتحصيل الاشتراك الشهري ومن ثم الحصول على بطاقة العضوية التي تؤهل حاملها لحقه كاملاً غير منقوص. ولكن الذي يحدث عكس ذلك كما أشرت، يأتي أفراد وتسجل أسماؤهم في كشف ويكون معهم بعض أعضاء قدامى ويتم حضور عدد لا يزيد أحياناً عن ال 25 شخصاً وتعقد لهم جمعية عمومية يتم انتخاب (8) أشخاص لجنةً تنفيذية والبقية تكون عضوية لمجلس الأمناء، ويتم اعتماد هذا التشكيل بحضور المجلس. ومن هنا يبدأ التساؤل عن هوية هؤلاء الأشخاص، هل هم من الذين كانوا يعملون بتلك الدولة؟ وهل لهم علاقات تؤهلهم وتفتح أمامهم أبواب السفارات التي يمكن أن تتعامل معهم؟ وما هي إمكانياتهم المادية؟ ما هو هدفهم من الانضمام لهذه الجمعية؟ وغالباً ما تكون الإجابات غير معروفة. هذه الأشياء تكون غير معروفة حتى للمجلس نفسه لأن المجلس يعتبر هذا العمل طوعياً وشعبياً والحق مكفول للجميع للانتساب لأية جمعية يراها، وهنا تكمن المشكلة. رئيس جمعية ينتخب ولا يكون لديه الوقت لحضور الاجتماعات، رئيس آخر ينتخب وليست لديه أية خلفية عن البلد المعني ولم يزره ولو مجرد زيارة، رئيس آخر يتم تعيينه بالولاء فلا بد له من اختيار أشخاص تكون لهم نفس الصفات في الانتماء والتوجه. وبذلك ينمو عامل الضعف منذ التأسيس بسبب عدم الجدية إلى أن تنتهي الدورة دون تحقيق شيء يذكر ويعود الحال لما كان عليه، وعامل آخر عدم المتابعة ومراقبة النشاط العام للجمعية وعدم رفع التقارير الدورية، هذه الأسباب مجتمعة أدت الى وأد حركة النشاط للجمعيات، وعدم الدعم المادي هو أول أسباب انهيار عمل الجمعية وعدم إنشاء مقرها ويعود لنقص السيولة الكافية لإدارة عمل الجمعية. ولا أذيع سراً إذا قلت إن بعض الجمعيات تفشل في دفع راتب حارس موقعها. وفي مقال لاحق يمكن طرح سبل العلاج الناجع لهذه المشكلة وحتى تكون الحديقة كما ينبغي لها أن تكون. والله من وراء القصد،، أمين عام جمعية الأخوة السودانية الكويتية