قال البُحتري: أتاكَ الربيع الطلق يختال ضاحكاً من الحسن حتى كاد أن يتكلما وقد نبَّه النيروز في غسق الدُجى أوائل ورد كنَّ بالأمس نُوَّماً. والغناء السوداني حافلٌ بالعديد من الأغنيات التي تناولت النسيم وعيده، ومنها «أرجوك يا نسيم روح ليهو»، «يا نسيم أرجوك روح لها وحييها»، «يا نسيم شبَّال يا فرح ضحاك في عيون أطفال»، «يا نسيم زورني في الماسية.. وجيب لي الطيب من جناين آسيا»، «يا نسايم الفرحة هبي»، «يانسيم يا ماري هواها شاغل بالي»، و«نسمة العز يا سماحة»، وغيرها من الروائع الخالدة والمتجددة. فقد عرف أهل السودان، مثلهم مثل سائر شعوب الأرض، قبل آلاف السنين، الاحتفال بعيد شم النسيم، الذي تقول المراجع إنه من أقدم الأعياد التي عرفتها البشرية حتى الآن. من أين أتى؟ جاء في الموسوعة الحرة أن البيض الملون «شم النسيم» هو واحد من أعياد مصر الفرعونية، وترجع بداية الاحتفال به إلى ما يقارب الخمسة آلاف عام، وترجع تسميته «شم النسيم» إلى الكلمة الفرعونية «شمو»، وكان يرمُز عند الفراعنة إلى بعث الحياة، وتعرَّض الاسم للتحريف على مر العصور، وأضيفت إليه كلمة النسيم لارتباط الاحتفال به بموسم الربيع وطلاوة الطقس. البيض الملون ويتحول عيد شم النسيم إلى مهرجان شعبي بخروج الناس إلى الحدائق والمتنزهات العامة، والحقول، حاملين معهم أنواعاً مختلفة من الأطعمة المخصصة لهذا اليوم، مثل البيض الملون، الفسيخ، الخس، والفواكه. ويحمل الأطفال ألعاباً جديدة مع أعواد الناي. وكما قال البحتري؛ فإن الأزهار والورود تتفتح فيه، وتنفح الناس بشذاها العَطِر، ويلون الصبيان والصبايا البيض، رمزاً للحب الأبدي. فالبيض يرمز إلى خلق الحياة من الجماد، وقديماً علقه الفراعنة في سلال أمام منازلهم بألوانه الزاهية؛ ليحظوا ببركات الآلهة. الجميع يحتفلون به وثبت أن اليهودية والمسيحية والإسلام كلها عرفت الاحتفال به، إذ أخذ اليهود عن المصريين القدماء احتفالهم بهذا العيد عند خروجهم من مصر في ذلك اليوم؛ حتى لا يحس بهم «فرعون»؛ لأنه مشغول بعيده واتخذوه عيداً لهم وجعلوه رأس السنة العبرية وأطلقوا عليه اسم عيد الفصح، وهي كلمة عبرية تعني «الخروج أو العبور»، فرحاً بنجاتهم واحتفالاً ببداية حياتهم الجديدة. وعندما دخلت المسيحية مصر؛ جاء «عيد القيامة» موافقاً لاحتفالات المصريين بشم النسيم، فكان عيد القيامة يوم الأحد ويليه شم النسيم يوم الاثنين في شهر «برمودة» من كل عام. وفي عام 640م عندما فتح عمرو بن العاص مصر وأصبح والياً عليها أرسل إلى الخليفة عمر بن الخطاب يخبره بهذا العيد وما يكون من حال المصريين فيه فأقره عليه وسمح له ومن معه من المسلمين بالاحتفال به. وينسب إلى رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشيخ عطية صقر أنه قال إن الاحتفال بعيد شم النسيم لا يعدو أن يكون يوماً عادياً من أيام الله حكمه كحكم سائرها وإن كانت به شائبة فهي ارتباطه بعقائد لا يقرها الدين الإسلامي ولا يعترف بها إطلاقاً - غير أن البيض الملون والأزهار والتنزه والمرح جميعها لا تحمل حرمة. ورد وبندقية واليوم، في كل عواصم العالم يأتي شم النسيم حاملاً زهر الرياض مودةً فترتسم البسمات على شفاه المحبين والعذارى، حتى الجنود الذين يخوضون الحروب يضعون فيه ورداً على فوهات بنادقهم ويلعنون الحرب.