.. عندما ظهر الترويج الأول لفضائية زول؛ استبشرنا خيراً وسعدنا أيّما سعادة، اعتقاداً منا أنها ستسهم، إلى حد كبير، في نشر الثقافة والأغنية السودانية والتعريف بهويتنا العربية الأفريقية بقالب سوداني خاص ونكهة سودانية لا تشبه ما يطرحه الآخرون، لا سيما أنها اختارت شعاراً لها شخصاً يرتدي (العِمَّة) ويرفع يده ملوِّحاً بالتحية؛ فقلنا امتداداً لسيل النوايا الحسنة؛ إن هذه الفضائية ستأتي مبشرة بالسلام، بل وستعمل على ترسيخه بما تقدمه من مواد وبرامج تؤسس لهذا الفهم وتؤكده. لكن يبدو أن الذي ظنناه (حاجة)، وما حصل على أرض الواقع (حاجة ثانية)، فالقناة (زول) بدأت أيامها الأولى بهجمة شرسة للأغاني الإثيوبية، لدرجة أنني كنت أتطلع نحو الشعار الموجود أعلى الشاشة لأستطلع إن كان لا يزال يلبس (العمة والجلابية) أم أنه قد ارتدى على حين غرة (السكي)، وتفسير ما بين القوسين هو اللباس الشعبي لغالبية أهل أرض الحبش. وجاءنا التفسير العجيب لأهل (زول) بأنهم يستهدفون ببثهم القارة السمراء لا سيما البلاد التي تحتل الجانب الشرقي من الخريطة، وهو لعمري تفسير غير منطقي، فمن يستهدف من؟ إذ أن الحجة مقلوبة، وكان الطبيعي أن نبث أكثر الأغاني السودانية التي تشابه في إيقاعها إيقاع هذه الشعوب، لنلفت نظرها إلى أننا نتحدث ذات اللغة، طالما أننا نتعاطى ذات الفنون، لكن الذي حدث أن الأغاني الإثيوبية برقصاتها التي يحتاج بعضها إلى تدخل مقص المونتاج؛ ظلت تزعجنا في بيوتنا، بل وتزاحم المساحة الممنوحة للأغنيات السودانية، وأكثر من ذلك أنها علَّمت بناتنا (الشغالات) وأغلبهن من الأحباش (الركلسة) و(قعاد) التلفزيون، لأن الغناء الحبشي الموجودة في (زول) يزاحم ما تقدمه الفضائية الإثيوبية طوال بثها. ولأن (الزول) عندنا و(الزولة) ارتبطا دائماً بطيب الخصال وعفيف الجمال والحشمة (الما ليها مثال)؛ حيرتني الفضائية (الإثيومجهولة) وهي تقدم نموذجاً لمذيعات نمطهن أقرب إلى الغربي بما يرتدين من ملابس لا علاقة لها بالزي السوداني من قريب أو بعيد، لا سيما أن الفضائيات العربية (مليانة) بمرتديات البنطلون، والبلوزات القصيرة، وكانت فرصة لا تعوض ل(زول) أن تروِّج للثوب السوداني الجميل من خلال مذيعاتها لتخطو بذلك في درب الكثير من الفضائيات الخليجية التي تروج لأزيائها الشعبية من خلال مذيعاتها الوطنيات وهن بالمناسبة يظهرن في غاية الجمال والحشمة والأناقة، ولو أن زول فعلت ذلك؛ لكانت أسهمت بدرجة كبيرة في الحفاظ على الزي القومي والترويج له، لكن يبدو أن (زول) الذي جعلته شعاراً لها طلع (زومبة) و(ما فاهم حاجة). ولعل المضحك أكثر أن زول التي قيل إنها مهتمة بالقارة السمراء استعانت في بعض برامجها بمذيعات لبنانيات أو سوريات لا أدري؛ لتعمق بذلك الفهم لدينا أن هذه الفضائية (فاطة سطر) وليست لها رسالة تؤديها، المهم عندها أن تكون موجودة على خريطة السماء الإعلامية حتى لو كانت تتعاطى، وتعطينا، مشروباً لا علاقة له بالتمازج، مكوناته (سمك لبن تمر هندي). في كل الأحوال، أقول إن (زول) حملت اسماً لم تقدر عليه، أو لعلها اختارته خبط عشواء، دون أن تمس مناطق الإحساس والشعور فيه، فكانت كمن يؤذن في أديس، أقصد يؤذن في مالطا، وسيبقى صاحبنا (أبو عمة) أعلى الشاشة، مسخاً مشوهاً حتى تعدَّل الصورة المقلوبة!! كلمة عزيزة .. سعادتي لا تحدها حدود بعودة الأستاذ الموسيقار يوسف الموصلي إلى البلاد بعد مشوار هجرة طويل، أنا واثقة أنه مهما أعطاه فإنه أخذ منه بذات القدر؛ لأنه فنان أصيل ومرهف يتنسم عشق هذا البلد شهيقاً وزفيراً. وبعودة الموصلي أتمنى أن يستمع للكثير من الأصوات الشابة التي ظهرت في الفترة الماضية وهي أصوات جميلة لو أن الموصلي احتضن بعضها لكان لها طوق النجاة من الوقوع في هاوية الأعمال غير الجيدة. فألف أهلاً بالموصلي وعقبال العودة لكل الطيور المهاجرة لنبني هذا الوطن الجميل. كلمة أعز .. أوبريت المؤتمر الوطني الغنائي الذي دشن قبل أيام بالصالة الذهبية؛ خطابي أكثر مما يجب، ولا يستحق (الهُليلة) التي أقيمت له!!