{ لما كنا منذ فترة قصيرة نلتقي السيد الرئيس البشير بمسرح قاعة الصداقة بالخرطوم تحت لافتة (لقاء الرئيس بقبيلة الفكر والثقافة والإعلام والفنون)، كان في المقابل (الرئيس المنسحب) ياسر عرمان بالقاعة المجاورة يمارس حملته الانتخابية (بمجهر سونا) الذي يعده ويقدمه الأستاذ بابكر حنين، كنت أجلس ساعتها إلى السينارسيت الخطير الأخ الأستاذ عبد الحفيظ مريود، وكان التلفزيوني مريود قد فرغ منذ فترة ضمن تيم يديره المخرج الحصيف الأخ الأستاذ سيف الدين حسن، قد فرغوا من إنتاج فيلم (رجل من كرمكول)، وهو الفيلم الذي اجتهد في أن يجسّد حياة المبدع الضخم الراحل القاص الطيب صالح، فقلت للأخ مريود، والبشير لحظتها يملأ العين والمسرح وكل الفراغات السياسية السودانية، قلت له أما آن لكم أن تنتجوا فيلم (رجل من حوش بانقا)!، فالتقط قفاز الإجابة الأخ المخرج سيف الدين حسن، الوثائقي السوداني الأبرز، فقال لي، في إطار اهتمامنا بتوثيق الرموز والحياة السودانية، الأدبية منها والثقافية والسياسية، فقد شرعنا منذ فترة ليست بالقصيرة في إنتاج فيلم تحت عنوان (حياة رئيس)، الرئيس عمر حسن أحمد البشير، واجتهدنا في تقديم (عمل وثائقي مهني، لرجل شغل معقد الرئاسة لعقدين من الزمان، كما شهد عهده تحوُّلات كبيرة في كل الشؤون السودانية، تحوُّلات في الحرب والسلام والوحدة والانفصال وتقرير المصير، تحوُّلات في الفكر والثقافة والسياسة والاجتماع، تحوُّلات أطلق عليها المهندس الصافي جعفر مصطلح (قيامة السودان)، والحديث لمؤسسة الملاذات.. الجناح الفكري.. كنا يومها نشهد عمليات حصاد محصول القمح بمشروع سندس الزراعي، وفي كلمته في الاحتفال قال المهندس الصافي جعفر، إن بعضهم قد استقطعوا هذا الجزء من أرض مشروع الجزيرة، وأطلقوا عليه مصطلح، (الأرض العطشانة) قد رويت وأنتجت، ولكن الرجل يستدرك ويقول، لكن ربما كانوا محقين في أنها لا تروى حتى يوم القيامة، فالإنقاذ هي (قيامة السودان)، وهي قد حركت كل شيء وأخضعت كل الأشياء والتجارب!. { غير أن الأخ سيف الدين مسوغاته ومبرراته وشواهده التي يعزز بعضها بعضاً، فعقدان من الزمان هي تاريخ باهظ من تاريخ السودان، وسيف الدين نفسه، وعبر برنامج في ساحات الفداء، قد كان شخصياً شاهد عيان لأعظم حقبة من حقب وحقائب الإنقاذ، المرحلة التي تدفق فيها آلاف الشهداء نحو الموت والشهادة والغابات، غير أن للإنقاذ مراحل أخرى، والمشير عمر البشير هو (الرجل المحور) في الثورة ومراحلها وهي تنتهي الآن إلى مرحلة (الشرعية الانتخابية). { وبالفعل قد شرع المخرج سيف الدين في (لملمة وقائع وأحداث كثيفة) تناثرت ما بين حوش بانقا وصراصر وميوم في جنوب السودان، وحي كوبر العتيق و(عزبة كافوري)، وتحصّل على شهادات حية من أحياء، منها شهادة باهظة بأن (صحن مونة) قد وقع يوماً على رأس الطالب عمر البشير. وقد أحدث أثراً في فمه باقٍ حتى الآن، فالرجل قد عمل في عطلات المدارس في مهنة (طلبة بناء) يحمل صحن المونة على كتفه، سافر سيف الدين مع شقيق الرئيس إلى بيت الأسرة في صراصر وحوش بانقا وجمع مواداً هائلة من الأجهزة. { غير أن المخرج سيف الدين وهو يقوم بهذا العمل، إنما يخدم تاريخ بلد كبير، بلد المليون ميل مربع وأربعين مليون مواطن، فلا يعقل أن يدفع الرجل في كل مرة (ثمن التاريخ)، فيفترض أن يكون هنالك جهات ثقافية وفكرية رسمية وأهلية يهمها هذا التاريخ وهذه الثقافة. { فهذا العمل الكبير موقوف الآن بسبب انعدام التمويل، مؤسسة الملاذات، الجناح التوثيقي، وبمبادرة شخصية منها، تحرِّض بهذا المقال أكثر من جهة منها (ولاية الخرطوم).. واللجنة القومية لانتخاب الرئيس وآخرين.. أن يسارعوا بتبني هذا العمل حتى يُقدم بين يدي احتفالات البلاد بفوز البشير، التي تقول كل القراءات والقرائن بأنه فقط مسألة وقت لا محالة.. وللتفاعل مع هذه الفكرة الاتصال (0923344175). { مخرج.. من حُسن الصدف أن يتزامن هذا المقال مع اختيار المخرج سيف الدين حسن، من قِبل قناة الجزيرة، ليقدم (تجربته التوثيقية) في مهرجان عالمي، كنموذج للفيلم الوثائقي الإفريقي والعربي، لتعلم الأمة السودانية أن (خارطة طريق ثقافتها وتاريخها ومستقبلها) يقرره العباقرة والمفكرون والمنتجون، ولا يقرره السياسيون الذين يملأون المسرح ضجيجاً، أي سيف الدين.. أي دائرة جغرافية ستسعك، وأنت تنوب عن (دائرة العرب والأفارقة) في برلمان الدوحة القادم؟!.