أصبح الجشع مرضاً عالمياً، والأنانية سمة انسانية، وحسابات المصالح الشخصية هي الحسابات الأعلى ربحاً الآن. الطمع هو الامبراطور في هذا الكون الزائف في كل شيء..، لم يعد هناك مكان للتواضع..، كل من يملك سبيلاً للغرور والتعالي يفعلها فوراً حتى أصبح الجميع عبارة عن بالونات منفوخة بهواء مسموم. أفعال التفضيل هي المسيطرة على لغتنا وحديثنا اليومي..، وأكثر الكلمات التي نتداولها تأتي على هيئة الأكبر الأعظم الأفضل الأحسن الأغنى الأحلى الأجمل الأذكى الأخبث، ولم يعد هناك وسطية في شيء لا في طبقات المجتمع ولا في تصنيف الأفراد.. وإنما الكل إما رائعون ممتازون ناجحون مالكون أو أنذال حقيرون حاقدون فقراء فاشلون. لم تعد هناك ألقاب لكثرة ما استعملناها وأسبغنا على أنفسنا صفات أقلها: النابغة العبقري الساحر صاحب السعادة العلامة المليونير الوجيه..الخ. لم يعد ثمة انسان طبيعي يعيش الحياة ببساطة، فهل يكمن السبب في تغيير تفاصيل الحياة من حولنا؟ أم هو لتغيير طرأ على أفكارنا ومعتقداتنا ومبادئنا..؟ وهل هذه هي ضريبة التقدم والتطور.. أن نتنكر لصداقاتنا الحميمة وعلاقاتنا الطيبة ومشاعرنا النبيلة وكل التفاصيل الجميلة التي عشناها يوماً مقابل أن نحقق بعض المكاسب المادية أو المعنوية؟ تغير كل شيء حولنا.. حتى طعامنا لم يعد أكثر من منتجات هي بالأخير نتاج أسمدة كيميائية..، لقد هجنّا كل المورِّثات وتلاعبنا بالجينات وخربنا النظام الطبيعي ودمرنا الطبيعة. انظر كيف ضخمنا «البطيخة» وطولنا «العجورة» وعملقنا حبة «الطماطم» ونفشنا «رغيف الخبز» واستبدلنا كل المشروبات بالمياه الغازية التي تكبّر (كروشنا) فأتقنا كل ذلك ولم نتقن تزييف «الطعم» فأصبحت كل الأطعمة ماسخة ومتشابهة في الطعم والرائحة. حتى نحن معشر النساء سلخنا جلودنا، وضخمنا شفاهنا، ونفخنا خدودنا وصنعنا لنا جمالاً كيميائياً خاصاً فأصبحنا جميعاً نتشابه وتاهت الهوية الأنثوية بين كل هذا الزيف، وتحول كل الرجال إلى ثيران أعمتهم الألوان فلم يعد بإمكانهم التمييز مهما كانت مهارتهم وشطارتهم فلم يعد واحدهم يعرف هل هذه المرأة سمراء أم مسمّرة؟ شقراء أم مستشقرة؟ نحيلة أم مكتنزة؟ عيونها عسلية أم سوداء؟ وهل هي حقاً وادعة أم أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة؟ كل ما حولنا زائف العلاقات الإنسانية البضائع في الأسواق الأخبار المشاعر الدرجات العلمية المكانات الاجتماعية..الخ. فأين الحقيقة؟ وكيف الوصول إليها وسط هذا الزخم من الابتسامات الباهتة المعلقة على جميع الشفاه حتى لا تكاد تعرف هل يبتسم لك أحدهم وهو مقبل عليك من بعيد بغرض التحية أم يكشر عن أسنانه حتى ينهش لحمك ويلوك سيرتك من ورائك؟! قد تكون نظرة تشاؤمية، ولكنها قراءة لواقع الحال الغالب، حيث سادت المصلحة والمحسوبية وأغتيلت كل المعاني الجميلة حتى تحول الحب نفسه الى مجرد رغبة تشترى في الشوارع العامة وفي كل وقت. فأرجوكم أوقفوا هذا التفخيم والتضخيم وأعيدوا البراءة للأطفال والخضار... والنساء. تلويح: هذي الحياة كتابنا فيها (الهوى) و(الشعر) و(الإحباط) و(الألم المعاود) و(الفجيعة) و(التجاوز) و(القتال).