يوسوس شيطان صغير - كنماذج الشر في الأفلام الكرتونية - داخل عقلي الباطن؛ لأقلب العبوات المعلبة للمنتجات الغذائية في عمومها؛ لأقرأ تأريخ الصلاحية المدوَّن بخط صغير جداً أسفلها، وفي غالب القراءات يضحك شيطاني منتصراً على حسن ظني باكتشاف انتهاء صلاحية المنتج ودخوله المنطقة المحظورة للاستخدام. وإذا شاءت لك قدرتك ظلم صاحب النافذة البيعية؛ فتذكر قدرة صاحب الإنتاج عليه، وقدرة الهيئة القومية للمواصفات والمقاييس علينا جميعاً.. وغالباً ما تمنح شهادات الأداء، ولا مرة سمعنا بشهادة سوء الأداء! وكأن المخاطر التي تلف المواطن السوداني من فواتير الدواء والغذاء والتعليم وتأمين مال الحياة الكريمة - على أسوأ الاحتمالات - والتربية الآمنة في هذا الزمن غير الآمن، غير كافية، ليضاف إليها خطر الصلاحيات المنتهية أو المقاربة للانتهاء التي جادت قريحة التجار بالتخلص من هذه البضاعة في بطون هذا الشعب، وبدون أدنى قلق ضميري من التسمم أو الموت الذي قد يصيب هذا الشعب الباحث في أزماته المالية عن كل ما هو رخيص ومعلب ومتاح على قارعة الطرق بعيداً عن هواء التكييف في البقالات غالية الثمن! وذات الأمر يلاصق الدواء غالي الثمن الذي يضطر المواطن لشرائه - خارج مظلة التأمين - متمنياً التعافي من الداء الذي هو ذو قوائم تطول طويلاً جداً، وأصبح يتصدرها «مشترك»؛ الفشل الكلوي، والسرطان، ودعك من هاجس الخوف من (الكلازار) وانتشاره! ومصاعب الكلى في السودان ذات حكايا لا تنتهي حد الاستعانة بالأصدقاء والحفلات الخيرية والتبرعات المتمثلة في (استجداء) زوار المراكز التجارية وأماكن التجمعات الاجتماعية بتوزيع مطبوعات تعرِّف عن المرض وطرق علاجه والغسيل.. وما يتكلّفه من أموال لا تغطيها أي مظلة. وبدلاً من الأخبار المفرحة؛ نسمع عن الأدوية منتهية الصلاحية أو غير الصالحة للاستعمال، وعن أطباء بيطريين يمارسون التطبيب البشري، وعن أدوية ممنوعة ومهرّبة وعن... الخ، وفواتير نهاية صلاحية الكلى باهظة الثمن - لا يقدر عليها المساكين - وكذلك فواتير إنهاء أو إبادة البضائع والأدوية منتهية الصلاحية، لذلك تستمر المعاناة من الجانبين، فلا هم نشطوا في مجانية العلاج لمرضى الكلى - أو السرطان - ولا استطاعوا السيطرة التامة على شره التجار ضعاف النفوس بإغراق الأسواق ببضائع تضيع الماء والهواء من الجسد السوداني وتحيل الشعب إلى حالات الغرق المعروفة إما في الديون أو محاليل الغسيل أو التراب! ووزارة الصحة مثقلة الجوانب تتأوه من الأملاح والأتراح كعامة كلى هذا الشعب تبحث عن محلول لغسل كل المشاكل التي تتعرض لها من مرتبات الأطباء ولوائح التخصص وترتيب الداخل ومحاسبة عمليات الإهمال المتكررة جداً والتجاوزات الطبية و(كوش) المخلفات والنفايات أمام المستشفيات وتصاديق المستوصفات الخاصة والفنادق (خمس نجوم) الطبية! تبحث كذلك عمّن يحدد لها مفهوم مدى الصلاحية للكثير من العقارات والعقاقير الطبية بدون صالح خفي. والإمدادات الطبية أو إدارة الصيدلة أو الرعاية الصيدلانية تمنح كل يوم - تقريباً - تصديقاً بافتتاح صيدلية جديدة.. المدهش أن الصيادلة أصحاب دخل محدود، يضطرون إلى تمرير الرخصة إلى التجار الذين بدورهم كرجال أموال لا علاقة لهم بتواريخ صلاحية أي شيء ما دام الترخيص ساري المفعول ولا يتعرضون للمساءلة القانونية من أي جهة ولو الضمير ذات نفسه! إن تحديد صلاحية الدواء أو الغذاء مسؤولية إدارات ووزارات بعينها، بالطبع، لكن ذلك لا يلغي المسؤولية من علينا كعامة نستطيع القراءة ولو بمساعدة النظارة الطبية - لانتهاء صلاحية النظر الطبيعي - ما دام هذا الغذاء وذاك الدواء