{ ربما أيام معدودات تفصلنا عن انتقال المواطن عمر حسن البشير إلى (المرحلة الرئاسية الثالثة)، مرحلة (الشرعية الجماهيرية)، بعد أن تنقّل الرجل بين فترتي (الشرعية الثورية) وفترة (الأحزاب المتوالية). صحيح أن العميد البشير قد وصل إلى كرسي الرئاسة في يونيو 1989م على ظهر دبابة، إلا أنه الآن يتأهل لهذا الكرسي عبر صناديق الاقتراع، بل وبهذ الاكتساح الجماهيري الهائل غير المسبوق يصبح المشير البشير مؤهلاً (لعصر الزعامة)، فلم يعد رئيساً يحكم السودان على فترة من الرؤساء، ولكن أركان الزعامة قد اجتمعت (لرجل حوش بانقا)، (رجل من حوش بانقا) الفيلم الوثائقي لحياة الرئيس الذي لم تخذله الوقائع والبطولات، ولكن يكاد أن يهزمه التمويل، وسيكتب الزعيم البشير لا محالة على القائمة الذهبية السودانية التي يتقدمها الزعيم الأزهري، والذي لا يدركه الكثيرون أن هذا الاجماع الذي توفر للرجل ناتج من حجم المخاطر التي تتعرض لها بلادنا، مخاطر تحتاج لقائد بمواصفات (بطل ميوم)، وبطل (القمة العربية)، عندما ترك الإعلاميون لأول مرة في تاريخ مهنتهم أدواتهم وأجهزتهم، وراحوا يصفقون إلى البشير وهو يهبط بمطار الدوحة، مسدداً طعنة نجلاء قاتلة لما يُعرف بالجنائية الدولية. { سيدي البشير.. (الرئيس المنتخب).. يا أيها القائد المحمول على أعناق الجماهير، مرحباً بك مجدداً، وليس ككل المرات، وإن كان كتفك في المرات السابقة مُثْقل (بالأنجم والمقصات الذهبية والصقور)، فالآن أنه مثقل بثقة الأغلبية المطلقة، مُثْقل بحب الجماهير العارم، ومُزان باحترام الشعب، كل الشعب. { سيدي المشير، أسمح لي أن أقترح على سيادتكم أن تبتدروا عصر الجماهير المرتقب بتضميد بعض الجراحات التي خلّفتها الحملة الانتخابية المنصرفة، ومن أعمق هذه الجراحات ما أصيبت به (نظارة البطاحين التاريخية)، لم يختلف أهلك البطاحين على مؤازرتك، ولكن قد أخذت مؤازرتهم تلك الباهظة طريقين، رأى بعضهم أن يقود هذه المؤازرة الناظر (خالد ود طلحة)، ورأى آخرون أن يتصدى للإدارة الشاب الطموح (أبو الخليفة) على أن يبقى خالد للإمارة وللنظارة، فدخلت القبيلة الانتخابات منقسمة على نفسها، وانتهت الانتخابات بطبيعة الحال على طريقة (غالب ومغلوب) وبقيت الجراحات، وستبقى سيدي، إن لم تتداركها أنت شخصياً. { سيدي الرئيس، ستفقد هذه (الأغلبية الجماهيرية) بعض ألقها وبريقها ومعانيها، إن نحن دخلنا المرحلة المقبلة ومملكة البطاحين منقسمة على نفسها، إنه سيدي، بُعدك الاستراتيجي، البنية التحتية الاجتماعية الصلبة، التي تكسّرت على جدرانها المتماسكة عبر السنين، كل نصال المؤامرات والدسائس. { وتسعفني تلك الواقعة من السنة الشريفة، والشيء بالشيء يُذكر، عقب إحدى الغزوات، لم يُعط الأنصار ما يلبي طموحاتهم، ودارت أحاديث تحت الكواليس، فما كان من زعيمهم سعد بن عبادة (رضي الله عنه) إلا أن وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً «إن هذا الحي من الأنصار يجد في نفسه شيئاً»، ولما سُئل عن رأيه قال «وما أنا إلا واحد من قومي»، ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُجمع له الأنصار، فخطب فيهم تلك الخطبة الشريفة، داعياً لهم ومعدداً مواقفهم في النصرة، ثم قال صلى الله عليه وسلم «ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبوا أنتم برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم؟، اللهم أرحم الأنصار وأبناء الأنصار..». { سيدي الرئيس المنتخب، نتعشّم أن تجمع أنصارك ببادية البطاحين، أن تأتي النظارة بصولجانها وتاريخها (لعِد بابكر)، أوأن تذهب (عِد بابكر) برجالها وفرسانها إلى عاصمة البطاحين التاريخية (أبو دليق)، المهم أن تلتئم (عِد بابكر وأبو دليق) في يوم فوز جديد، ونصر أكيد، والصلح خير، كأن تتوزع وتتكامل الأدوار، على أن تظل أبو دليق عاصمة للنظارة، و(عِد بابكر) للأمارة، والله أعلم، وتفضلوا بوافر شكرنا وتقديرنا.