كل أمّة تعتز بماضيها وتراثها وتحاول توثيق هذه التراث الإنساني من خلال متاحفها التي تعكس مسيرة الدولة عبر مراحلها المختلفة فالأمة التي ليس لها ماضٍ ليس لها حاضر ولا مستقبل.. ومن هنا نبعت فكرة إنشاء المتحف الحربي لتوثيق ملكية التراث وحفظ المقتنيات العسكرية إضافة لتوثيق التاريخ العسكري وربطه بالحاضر للاستفادة من خبرات الأجيال السابقة وبث الوعي الثقافي العسكري بين أفراد وضباط القوات المسلحة وحتى المواطنين لأن أبواب المتحف الحربي مفتوحة للمواطنين والزوار من داخل وخارج الدولة. كان لنا هذا اللقاء مع العميد ركن عمر النور أحمد مدير المتحف الحربي والمدير العام ورئيس تحرير مجلة المتحف الحربي ليلقي لنا مزيداً من الضوء حول دور وأهمية المتحف بالنسبة للعسكريين والمدنيين،والعميد ركن عمر من الشخصيات ذات الحضور المتألق على الدوام.. فهو يبهرك منذ الوهلة الأولى بثقافته المتنوعة فهو فنان وصحفي ويرتكز على تراكم معرفي ووثائقي وإعلامي والحديث معه ينساب بعذوبة وموضوعية فهو يعرف ماذا يقول وماذا ولماذا يعمل، واختياره مديراً للمتحف الحربي كان اختياراً صادف أهله ولهذا تدفق الحوار جزلاً وبدون معاناة.. وتركنا له مهمة الإبحار ونحن ننصت له باحترام. النشأة والتكوين قال العميد عمر: - فكرة إنشاء المتحف كانت هاجساً مُلّحاً وضرورياً وعملاً متعارفاً عليه في مختلف الدول.. فهو المرآة التي تعكس تطور القوات المسلحة والحروب التي خاضتها والأسلحة المستخدمة.. وكان في بدايته الأولى يتبع لفرع البحوث تحت مسمى شعبة التاريخ، ولأن الطموحات كانت أكبر من شعبة صغيرة فكان لابد من التوسع وفي 15 يوليو 1996م وبعد انقضاء ستة أعوام من عمر الاستراتيجية القومية الشاملة والرامية إلى تطوير القوات المسلحة وهي عبارة عن رؤى وطموحات وخطط من شأنها تأهيل وتطوير القوات المسلحة، حينها ولد المتحف الحربي من جديد كوحدة منفصلة تعمل وتعتمد على ذاتها تتبع لهيئة التوجيه. بدأ العمل بالمتحف تحت إشراف السيد النائب توجيه ثم جرت الاتصالات بجميع المختصين بأمر المتاحف للبدء في إنشاء وتأسيس هذا الصرح للقيام بدوره المنوط به. وحالياً يتبع المتحف لرئاسة الأركان المشتركة كوحدة منفصلة ويباشر أعماله. وأضاف: لقد رُصد للمتحف الكفاءات والخبرات، وكل العاملين، بدون استثناء، يتمتعون بوعي عسكري وإعلامي كلٌ في مجاله مما كان له الأثر الحيوي في النهوض بهذا الصرح على الوجه الأكمل. أهمية ودور المتحف الحربي نحن أمة لها إرث حضاري موغل في القدم كما لها تاريخ عسكري حافل بالنضال والمواقف والبطولات والتاريخ القديم قبل الاستعمار وبعده وحتى نيل الحرية الكاملة وانتزاع البلاد من براثن المستعمر كل تلك مواقف تعكس قوة وصلابة وعزيمة الجندي السوداني.. ولهذا كان لابد من توثيق تلك المراحل بقدر المستطاع والمتاح لتوثيق هذا الإرث التاريخي العسكري وحفظ المقتنيات العسكرية. وهنالك جانب لا يقل أهمية وهو رصد تطور قواتنا المسلحة منذ النشأة وحتى الآن وكل الذين ساهموا في هذا التطوير مع تحديث الأسلحة نفسها فالعلوم العسكرية في حالة تحديث مستمر وكذلك وسائل الحرب وأدواتها ولكل زمان سلاحه ورجاله من أجل هذه الأهمية ولد المتحف الحربي كما أضيف له التوثيق والتنقيب في التاريخ العسكري عبر إصدارة المتحف الحربي. دور المتحف الحربي هو ربط الماضي بالحاضر وجمع وحفظ المقتينات الأثرية من قطع أسلحة ومعدات وآليات ووثائق ونماذج تاريخية ودراسة تاريخ القوات المسلحة وإبراز تسلسل تطورات فن الحرب اضافة إلى إجراء البحوث والدراسات في مجال التاريخ العسكري بهدف الاستفادة منها وبث الوعي المتحفي بغرض توعية المواطن بتاريخ وطنه. أنشطة للمتحف الحربي أنشطة عديدة خارج المتحف كقيام معارض متحركة للولايات لعكس التراث العسكري وتثقيف وتنوير العسكريين والمدنيين عن إنجازات قواتهم المسلحة.. كما يقوم المتحف بتنظيم محاضرات عن التاريخ العسكري ودوره في إرساء دعائم الاستقرار والتنمية، وكان آخرها محاضرة تتعلق بالهوية السودانية من خلال علم الآثار. وبصفتي مديراً لإدارة المتاحف والمعارض والتاريخ العسكري أحرص على تقديم محاضرات في المنتديات الثقافية عن أهمية المتحف الحربي وكانت آخر محاضرة قدمتها «بمنتدى زهاء الطاهر» بقاليري العوام وكان من ثمارها زيارة أفراد المنتدى من صحفيين وفنانين وكُتّاب للمتحف للاطلاع المباشر على المتحف حتى تكتمل الكلمة مع الصورة. زيارات وتبادل الخبرات توسيع دائرة المعرفة لا يتم إلا بتبادل الخبرات والاطلاع على تجارب الآخرين ونقوم من وقت لآخر بزيارات للدول الشقيقة والصديقة والوقوف على متاحفهم الحربية ودراسة مراحل تاريخهم العسكري وكيفية حفظ الآثار والمقتنيات. وفي ذات الوقت نستقبل الوفود العربية وعلى سبيل المثال لا الحصر استقبل المتحف الحربي وفوداً عسكرية رفيعة المستوى من دولة الكويت ومن الأردن ومن الباكستان ومن الجماهيرية الليبية.. وأيضاً زار المتحف الحربي خبراء متخصصون في العرض المتحفي من المتحف البريطاني وأشادوا بمستوى التنظيم ووسائل العرض ودقة الرصد والشرح. ويظل جسر التواصل ممتداً فالمتحف الحربي أبوابه مفتوحة للجميع مجاناً كما استقبل المتحف منتدى راشد دياب وطلاب جامعة الخرطوم كلية الآداب وكلية علوم الطيران حتى براعم روضة الرحيق المختوم وغيرهم لا يتسع المجال لذكرهم. جولة ميدانية وفي ختام الحوار قمنا بجولة ميدانية لأنحاء المتحف والقلعة التاريخية وأدركنا فعلاً بأننا أمام جهود جبارة استطاعت بصبر ونكرات للذات أن تجمع تراثنا العسكري في مكان واحد بعناية فائقة تستحق فعلاً الثناء والتقدير.. كما قال العميد ركن عمر بأن طموحاتهم لن تتوقف وأنهم الآن بصدد نقل المتحف من رئاسة الأركان إلى مبنى مستقل ويجري العمل حالياً في تأثيث المقر الجديد وفقاً لأحدث وسائل العرض الاستفادة من التقنيات المتطورة في ذلك المجال والمقر الجديد بجانب كازينو البلدية سابقاً والنقل الميكانيكي.