{ كنت أخشى على عمليات الإعمار والبناء والإصلاح التي تجري في كل الأنحاء أن تتوقّف مع (فصل الانتخابات)، على أن البلاد كما يحلو للبعض (تدخل إلى مرحلة التحوُّل الديمقراطي)، خاصة أن هذا المصطلح، (التحوُّل الديمقراطي) يرتبط في ذهني بعمليات تشكيل (النقابات المطلبية) من قِبل اليسار ليقاوم بها السلطة، فالمعروف بالممارسة وشواهد التاريخ هو أن قبائل اليسار دائماً ما تخرج من أي عملية انتخابات بنائب أو نائبين لكنها في المقابل تستفيد من هذا الوضع لتصنع (مجموعة نقابات) تُصارع بها الحكومة، فتحدث عمليات الاضرابات والاضطرابات والتوقف عن العمل، وبإمكاني أن أنشِّط ذاكرتكم بعشرات المشاهد من آخر تعددية شهدتها بلادنا، فكل العناوين في تلك الحقبة كانت تبشرنا مع فجر كل يوم جديد، بأن نقابة من نقابات العمال تهدد بالتوقف عن العمل، لا أعرف حقيقة إنجاز لتلك القبيلة الحمراء غير هذه (التشاكسات) وتعطيل دولاب العمل، وفي هذا السياق يُحمد لاتحاد عمّال السودان في عهد الإنقاذ أن أصبح شريكاً في علميات الإنتاج، فهذا مالايُطرب اليسار أن تكون النقابات حريصة على العمل كحرصها على حقوق العاملين. { المهم في الأمر كنت أخشى أن تتحوّل الآليات والرافعات من الطرقات مع عمليات (التحوُّل الديمقراطي)، وكان يقلقني بصورة خاصة أن يتوقف العمل في مشروعين اثنين، الأول مشروع طريق مُعبّد بشرق النيل، يخرج من (شارع الوالي) بحي الجامعة متجهاً إلى وسط مدينة الفيحاء وذلك لكونه يخفف وطأة الازدحام على بعض الطرقات الآخرى، وفي المقابل سيخدم مدينة بأكملها، علماً بأن المرحلة الأولى من الردميات قد أُنجزت في هذا الطريق، ثم مشروع كهرباء الريف بولاية نهر النيل، بحيث أن حكومة الولاية قد قامت (بزراعة) أعمدة الكهرباء بمضاربنا تلك، وأن عمليات شد السلك قد بدأت هي الأخرى من مدينة العبيدية وأرتولي في طريقها شمالاً، ويدي على قلبي ونحن ندخل (لمرحلة التحوُّل الديمقراطي) أن تتحوّل تلك الآليات وتجمّد هذه المشروعات لتكون أول إنجازات (عصر التحوُّل الديمقراطي) هي التحوّل عن ميادين العمل إلى (برلمانات الكلام).. والحريات. { وليتكم رأيتم استعداد أهل قريتنا لاستقبال (عصر الكهرباء) الكهرباء اللا مقطوعة ولا ممنوعة طوال اليوم وذلك لكونهم يستخدمون (مولدات كهرباء محلية) تعمل ما بعد صلاة المغرب إلى ما بعد العاشرة بقليل، لا حديث لهم هذه الأيام غير أحاديث مشروع الكهرباء المرتقب الذي وصلت أشراطه، حتى أن إحدى جداتنا عندما سُئلت لمن ستصوتين؟، أشارت إلى عامود الكهرباء وقالت إنها ستصوِّت إلى هذا العامود، وبالفعل قد صوّتت لذلك العامود على أمل أن يُكسي بالسلك ومن ثم يتدفق التيار في شراين تلك المضارب. { (ولو كان بالمراد واليمين مطلوق ما بشنق ود أبكريق في السوق)، كما تقول تلك الأبيات التراثية، وتبدو مناطقنا تلك كما لو أنها سقطت من ذاكرة التاريخ، فالكهرباء التي عمت كل(القرى والحضر) فهي حتى الآن لم تُشرِّف مضاربنا التي لا تبعد عن (أبوجنزير بالخرطوم) أكثر من مسيرة ثلاث ساعات! لكننا لم نحمل سيفاً في وجه أحد، ولايزال أولئك الأبرار ينتظرون (وما بدلوا تبديلاً)، ففي (المركز الانتخابي) لهذه القرية التي لم (تنوِّر بعد) لقد حصد المشير البشير ألف ومائة من الأصوات من مجموع ألف ومائتين ناخباً، تلف منها خمسون، ولم يصوِّت ثلاثون، لأنهم كانوا في (الخلا) يبحثون عن الذهب. غير أن تلك الخشية من (توقُّف عمليات الإعمار) قد بددتها صناديق الإقتراع، فالحكومة التي بدأت هذه المسيرة الإنمائية قد جدّد لها الشعب الثقة، فلم تتحوّل الآليات مع التحوُّل الديمقراطي، بل بقيت الحكومة وبقيت آلياتها، ولم تتوقف أعمالها أثناء الانتخابات وبعدها. ولو أن حزباً آخر قفز إلى حلبة الأحداث، كان بطبيعة الحال سيوقف كل المشروعات، ثم يخرج علينا بعد فترة (ببعض البطولات)، بأنه قد وجد (خروقات هائلة) في بعض التعاقدات وعمليات فساد وأنه سيُخضع كل (عقودات الإنقاذ) إلى المراجعة والتجديد، وكنا سنحتاج إلى (أربع سنوات) أخرى لمراجعة هذه العقودات وإبرام عقودات أخرى مع دول أخرى لم يسبق لها (العمل مع الإنقاذ) أربع سنوات هي عمر التعددية المرتقبة. { سادتي في (الحكومة القادمة) اعلموا أنكم قد استحللتم (أصوات الغلابى) بهذه المشروعات الطموحة، فعليكم تعزيز هذه الثقة بالذهاب أكثر في مخاطبة أشواق الجماهير وقضاياها. لكن عليكم الآن الخروج من مربع (التشكيك في الانتخابات)، المربع الذي يود الآخرون اعتقالكم فيه، وذلك للنزول بآلياتكم إلى الطرقات وزراعة الأمل والكهرباء والحياة في أفئدة الجماهير.