وصف المراقبون الدوليون الانتخابات التي جرت في 11 أبريل 2010 بعدم المطابقة للمعايير الدولية إلا أنها مهمة لدفع عملية السلام في السودان فيما وصفتها الأحزاب السياسية المعارضة بالمهزلة الديمقراطية، مطالبة المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بها في وقت قطعت فيه الحركة الشعبية بعدم مشاركتها في الحكومة القومية. وقال باقان أموم الأمين العام للحركة في مؤتمر صحفي بجوبا إن الحركة لم تكن جزءا من حكومات الولايات الشمالية وأن رئيس الحركة سيقوم بتشكيل الحكومة في الجنوب، بيد أن الحركة الشعبية لم تستطع أن تحسم موقفها منذ انطلاق العملية الانتخابية. ويلاحظ من خلال تصريح قيادتها تضارب كبير في موقف السلطة التنفيذية التي يمثلها الفريق سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس الحركة الشعبية الذي أبدى تفهماً استراتيجيا يرمي من خلاله إلى تنفيذ اتفاقية السلام، الأمر الذي يرفضه الجناح السياسي الممثل في الأمين العام للحركة الذي يرى ضرورة التزام الحركة بتفاهماتها مع القوى السياسية، فهذا التناقض في خطاب الحركة أدى إلى تضارب آخر في سير العملية الانتخابية وتزييفها، ففي الجنوب الذي دخل حلبة العملية الديمقراطية عقب اكثر من خمسين عاماً انتقد المراقبون سير الانتخابات في العديد من الولايات فيه، ورغم أن المنافسة في الجنوب لم تكن قوية بين الأحزاب السياسية إلا أنها الأقوى بين أعضاء وقيادات الحركة الشعبية والممثلة في المستقلين الذين يحظون بشعبية وقبول واسع من قبل الجماهير في الجنوب، ففي ولاية الوحدة وهي ولاية غنية بحقول النفط يحتدم التنافس بين مرشح الحركة الشعبية العميد تعبان دينق والمرشحة المستقلة إنجلينا تينج حرم الدكتور رياك مشار نائب رئيس الحركة الشعبية فتينج هي وزيرة الدولة بالطاقة تبوأت هذا المقعد ضمن حقائب تقاسم السلطة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني بموجب اتفاقية السلام الشامل الموقعة في ضاحية نيفاشا بكينيا إلا أن جماهير ولاية الوحدة اختارتها للنزول مستقلة لمنصب الوالي بعد أن أعلنت الحركة الشعبية ترشيح العميد تعبان دينق واستبعدت د. جوزيف مجتول رئيس الحركة الشعبية بالولاية والذي يشغل وزير الصحة بحكومة الجنوب، فبانتيو التي شهدت اقتتال ونزوح عدد من المواطنين وجرت اشتباكات اندلعت فيها عقب إعلان الإذاعة المحلية فوز العميد تعبان دينق على المرشحة المستقلة إنجلينا تينج، دخلت مرحلة جديدة قد تكن الأسوأ في المنطقة إلا أنها تشير بوضوح إلى مدى تدخل السلطات السياسية في تغيير وقائع الحقائق، كما ترى المرشحة المستقلة إنجلينا تينج، التي أكدت عدم اعترافها بالنتائج. وقالت تينج ل «الأهرام اليوم» إننا نرى الذي حدث فيه تزوير لإرادة الشعب بل هو خيانة له وسنقوم بمقاومته، مطالبة في ذات الوقت يتكوين لجنة محايدة لإعادة فرز النتائج. وشنت تينج هجوماً عنيفاً على مفوضية الانتخابات ووصفتها بعدم الحياد. أما في ولاية شمال بحر الغزال التي شهدت هي الأخرى توترات أمنية، الأمر الذي دفع بالسلطات الحكومية إلى فرض حظر تجول بالمدينة، فقد جرى التنافس الانتخابي بين اللواء بول مونق مرشح الحركة الشعبية والمرشح المستقل أتور داو أجوك ، الذي يحظى بشعبية كبيرة بولاية شمال بحر الغزال وهو قائد مدفعية الجيش الشعبي دفعته الجماهير إلى خوض الانتخابات مستقلا في مواجهة مرشح الحركة الشعبية بول مونق. ووفقاً للإرادة السياسية للحركة ترى أن فوز مونق يضمن استقرار المنطقة، فمونق يتمتع بعلاقات قوية مع قبائل التماس أي قبيلتي المسيرية والرزيقات إلا ان الجماهير لديها تحفظات على مونق ولذا دفعت بأتور مرشحاً مستقلاً إلا أن المرشحين اثناء العملية الديمقراطية تدخلت لغة السلاح بينهما حيث اتهم فيها كل طرف الآخر بإجبار المواطنين على التصويت لصالحه فيما تعيش عاصمة الإقليم الجنوبي توترا أمنيا أكثر خطورة بين كلمين واني والفريد لادو قوري المرشح المستقل، الأمر الذي من المتوقع أن يؤدي إلى صدام بين الجيش الشعبي والمواطنين الذين صوتوا لصالح قوري. ويرى المراقبون أن الحركة الشعبية ظلت تتمسك في كافة المستويات بفوز مرشحيها وترفض في الوقت ذاته الاعتراف بل الاستماع للشكاوى العديدة من قبل المرشحين من اختطاف واعتقال وطرد الوكلاء وتبديل صناديق الاقتراع بل مورست ضغوط على اللجان العليا بالولايات لتغيير النتائج لصالح الحركة تحت تهديد البندقية، الأمر الذي أدى إلى فوز الحركة الشعبية في كافة المستويات لوحدها، الأمر الذي أكده مر شح المؤتمر الوطني لولاية النيل الأزرق فرح عقار . وقال فرح ل«الأهرام اليوم» إن غياب السلطة وغياب الأمن في محليتي باو والكرمك أديا إلى إجبار المواطنين على التصويت لصالح مرشح الحركة الشعبية مالك عقار. مضيفا ان هنالك تجاوزات عديدة صاحبت عملية الانتخابات وأن شيوخ القبائل تعرضوا لضغوط وتهديد. وأشار فرح إلى أن المفوضية القومية أبلغتهم أثناء زيارة وفدها للولاية أنهم لا يريدون أن يستمعوا لشكاوى بل أن غرض الزيارة هو الوقوف على الجو العام. فولاية النيل الأزرق التي شهدت توترات أمنية عقب إعلان المؤتمر الوطني فوز مرشحه فرح عقار على مرشح الحركة الشعبية مالك عقار، دفع ذلك نائب الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان إلى عقد مؤتمر صحفي يؤكد فيه فوز مالك عقار وقال في لهجة لم تكن بعيدة عن التهديد إن هنالك محاولة لتزوير إرادة الجماهير بالنيل الأزرق ولكن تزوير النيل الأزرق خط أحمر. وأشار عرمان إلى أن هناك ترتيبات إعلامية وأخرى أمنية بالمنطقة. واتهم عرمان المؤتمر الوطني بدفع حشود عسكرية للمنطقة، الأمر الذي فرض على الطرفين تسوية سياسية حفاظاً على اتفاقية السلام كما يرى المراقبون، إلا أن هناك من يتخوف من عملية الانتخابات كونها - بحسب ما يرون - قد جرت تحت تهديد البندقية في جنوب السودان، ويخشى البعض من تكرار الأمر في عملية التصويت لحق تقرير المصير لشعب جنوب السودان خاصة وأن التيارات الوحدوية ترى أن هنالك أجنحة داخل الحركة قد ستضغط على المواطنين للتصويت لصالح الانفصال.