فريق أول ركن حسين يحيى محمد أحمد فوزٌ كاسح للمؤتمر الوطني بالشمال، وفوزٌ كاسح للحركة الشعبية بالجنوب، إذن المحصلة النهائية لانتخابات نيفاشا هي نظام شمولي في الشمال، ونظام شمولي في الجنوب، ودولة ثيوقراطية في الشمال، ودولة ثيوقراطية في الجنوب. وهكذا يكون السيناريو الذي رسمته الولاياتالمتحدةالأمريكية قد تحقق بحذافيره، رقابة إقليمية دولية، وأجهزة إعلام إقليمية ودولية، وقنوات فضائية أجنبية، كل هؤلاء جاءوا ليشهدوا ويوثقوا لتكريس الشمولية في السودان!! تقارير مركز كارتر وتقارير الاتحاد الأوروبي التي وصفت انتخابات نيفاشا بأنها لا تتفق مع المعايير الدولية المطلوبة، بالرغم من كل ذلك فإن هذه الانتخابات تجد الاعتراف والقبول والرضا من المجتمع الدولي، وذلك نسبة لأن الغرض الأساسي من هذه الانتخابات هو تحقيق انفصال الجنوب بطريقة سلسلة، وهكذا لم تنقلنا هذه الانتخابات إلى وضع أفضل. انتخابات حرة ونزيهة تمنح فيها الحركة الشعبية في إطار المساومات عدد أربعين مقعداً، كما تمنح الحركة الشعبية بجنوب كردفان عدد أربعة مقاعد، الجدير بالذكر أن الاختيار لهذه المقاعد يتم عن طريق التعيين، وهذا يعني أننا سنشهد ميلاد مجلس وطني هجين! زيارة إلى جوبا يتمخض عنها سحب مرشح الحركة الشعبية للرئاسة، إعلان فوز العقار وغضبة كبرى لمالك عقار وتهديداته «بالهجمة»، وتهديدات ياسر عرمان بأن جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان يمثلان خطاً أحمر للحركة الشعبية في الانتخابات، تصريحات لسلفاكير تحمِّل مالك عقار أسباب فشله في الانتخابات، زيارة أخرى لجوبا، وزيارة من المفوضية إلى الدمازين، يتمخض عنهما إعلان فوز مالك عقار، ثم غضبة كبرى للعقار، وشكوى للمحكمة العليا والمحكمة الدستورية!! أين هو التحول الديمقراطي المنشود من كل هذا؟! إذا كان كل شيء يتم بإرادة المؤتمر الوطني وإرادة الحركة الشعبية؛ إذن ما هو الداعي للانتخابات؟!! الحكاية (كترت ومسخت) بالرغم من أن الصفقة أصبحت معلومة للجميع، ارحمونا وأريحوا أعصابنا يرحمكم الله. اكتساح المؤتمر الوطني للانتخابات بالشمال لا يعبر عن قوته ولكنه يعبر عن ضعف منافسيه، اكتساح المؤتمر الوطني للانتخابات يعود الفضل فيه إلى شخصية رئيس الجمهورية الذي أصبح رمزاً للأمة، إذ أن موقفه الشجاع من المحكمة الجنائية الدولية أكسبه شعبية كبيرة، هذا بالإضافة إلى تواضعه وبساطته وعفويته ورباطة جأشه، لكل ذلك أصبح رئيس الجمهورية محبوباً للجميع، ولا أكون مبالغاً إذا قلت إن المؤتمر الوطني أصبح يشكل عبئاً ثقيلاً عليه، كما أن قميص المؤتمر الوطني أصبح ضيقاً عليه ولا يناسبه. الإيجابية الرئيسية الوحيدة لهذه الانتخابات هي أنها برهنت على أن رئيس الجمهورية أصبح شخصية قومية لا تحتاج لحزب يدعمها، إذ أن كل الشعب يقف معه ويسانده، وفي تقديري حانت اللحظة التي يخلع فيها رئيس الجمهورية ثوب الحزبية الضيق ليصبح زعيماً وطنياً كسائر الزعماء في العالم. السودان اليوم يحتاج لزعيم وطني ملهم، يلتف حوله كل الناس ليفجر طاقات الشعب الكامنة ويستغل ثروات البلاد الضخمة التي عجزت كل الأحزاب عن استغلالها نسبة لصراعاتها ومكايداتها ومشاكساتها التي أقعدتها وقادتها للانتحار السياسي كما ظهر جلياً في الانتخابات الأخيرة. بالعودة لنتيجة الانتخابات فإن المؤتمر الوطني بالرغم من فوزه الكاسح في الانتخابات بالشمال إلا أنه لا يستطيع تشكيل حكومته الجديدة منفرداً وذلك نسبة لأن قسمة السلطة بين الشريكين ما زالت تقيده حتى نهاية الفترة الانتقالية في 9 يناير 2011م تاريخ إجراء الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان. في إطار المشاكسات والمكايدات السياسية بين الشريكين ربما تطول فترة التشاور حول تشكيل الحكومة الجديدة ما لم يتعرض الشريكان لضغوط قوية من الولاياتالمتحدةالأمريكية راعية الاتفاقية. المجلس الوطني بتركيبته الجديدة لا توجد فيه قوة سياسية برلمانية معارضة ذات ثقل ووزن سياسي، ولا شك أن هذا الوضع يشكل أزمة لأنه لا توجد حكومة بلا معارضة داخل البرلمان، إذ أن المعارضة أصبحت الآن كلها تقف على الرصيف، وهذا من سلبيات هذه الانتخابات. لا أدري كيف سيتجاوز المفكرون بالمؤتمر الوطني هذه العقبة الكبرى، وأخشى أن يقودهم تفكيرهم إلى تكرار تجربة نميري السابقة التي تم فيها تعيين «رائد» لمجلس الشعب ليبتدر النقاش، و«رقيب» للمجلس، وإذا كرر المؤتمر الوطني هذه التجربة الفاشلة فإن مصيره المحتوم سيكون كمصير الاتحاد الاشتراكي سابقاً، لأن رائد المجلس ورقيب المجلس هما وجهان لعملة واحدة، وعلى المؤتمر الوطني أن يتذكر هذه التجربة الفاشلة التي كانت نهايتها مسيرة الردع الهزيلة التي كانت هي قاصمة الظهر لنظام الاتحاد الاشتراكي ولنظام مايو، وحتى لا تتكرر تجربة مسيرة الردع الهزيلة هذه؛ يجب إعطاء الصحافة المحلية الحرية الكاملة للقيام بدور الرقابة على الجهاز التنفيذي للدولة، دعونا نرى كيف سيتغلب المؤتمر الوطني على هذه العقبة بعد أن نال هذه الفرصة التاريخية وغير المسبوقة ليحكم السودان منفرداً بدون وجود معارضة برلمانية فاعلة، وكيف سيمارس الديمقراطية بدون معارضة!! ختاماً أسأل الله أن يوفقنا ويهدينا إلى تحقيق التحول الديمقراطي الحقيقي من خلال وجود حكومة قوية ومعارضة برلمانية فاعلة تمثل حكومة الظل. وبالله التوفيق زمالة أكاديمية نميري العسكرية كلية الدفاع الوطني