ظل ومنذ بداياته الأولى يتحدث عن الحزب الأنموذج، ومضى باتجاه تحقيق هذا الأنموذج من خلال عدة مراحل، ومع كل مرحلة كانت تتفجّر في واقع السودان أزمة وتتحقق منجزات سرعان ما ينتفع الناس بالإنجاز ويتأذون من الأزمة. بين هذا وذاك سارت الأمور في السودان والمؤتمر الوطني هو الحزب الحاكم منفرداً ومتوالياً ومتوحِّداً في تيار وطني عريض. هكذا تأرجح واقع الحال ولكن لم ينتهِ الطريق عند نقطة محددة أو بعينها، فبدأ التفاؤل يمضي كثيراً أكبر من التشاؤم والعكس أيضاً وطفحت على السطح مشكلات حتى قبل أن ينقسم المؤتمر الوطني وهو في منتصف مشواره وازدادت حالة التداعيات السياسية والتهبت أمنياً بعض المناطق في دارفور واجتمعت الإدارة المناوئة للمؤتمر الوطني لكنها لم تفلح في الإقصاء. هذا بتلخيص شديد هو واقع الأمس القريب والبعيد، أما واقع اليوم فالشجرة الآن تدخل كل البرلمانات التشريعية في السودان والبرلمان القومي وقدمت البشير لدورة رئاسة أخرى. وتتصاعد الأحداث مرة أخرى على صعيد المعارضة الرافضة لنتائج الانتخابات، ويشرع المؤتمر الوطني من خلال التفاهمات السياسية والتفاكر لتكوين الحكومة المركزية والحكومات الولائية، والسؤال مازال قائماً: ماذا على المؤتمر الوطني أن يفعل في تحديات المرحلة القادمة؟ وما هي المنهجية التي سيعتمدها، مع العلم أن المنهجية التي انبنى عليها المؤتمر الوطني كانت ترُد الأمر كله للحاكمية الإسلامية (الحاكمية لله والسلطة للشعب)، كذلك ماهي الرؤية المطلوبة لحشد الإرادة الوطنية في إطار هذه التحديات؛ خاصة وأن الرؤية لازالت تواجهها الكثير من العقبات؟ إذن، خرجنا من الانتخابات ولكن الأزمات ماتزال عالقة، منها سلام نيفاشا تقلبات الشريك والنهايات الحميدة أو غير الحميدة المرتقبة وسلام دارفور الذي لم يتحقق بشكله الشامل بعد. وأما التحدي المهم هنا فالمؤتمر الوطني مازال، وخاصة بعد النتيجة الانتخابية، هو الأوفر حظاً في الترتيب والبناء والحراك، شئنا أو أبينا كقوى سياسية أخرى، ولكنه الأسوأ حظاً في المناوأة والمواجهة والتكالب والتحالفات التي انتظمت ضده، وبالتالي ورغم خروجنا من الانتخابات لم تستقر الأحوال حتى هذه الأثناء ومازالت الظروف السياسية تتأرجح في هذا السيناريو المثير، أما الشيء المهم عن تجنيب البلاد مخاطر الانفصال نقول ستظل هذه واحدة من المحاور الأساسية المطلوب فيها الفصل الواضح بالبيان العملي وليس الأحاديث الفضفاضة، فلا نريد للإرادة السودانية الحاكمة والمعارضة في بُعدها السياسي أن تكون منقسمة على نفسها. إذن في أمر الاستفتاء المقبل وفي شأن بسط السلام في دارفور هل تنجح الإرادة الشعبية الغالبة للمؤتمر الوطني في أن تقوِّم الإعوجاج الذي بدا على مشهد الساحة السياسية، فالمؤتمر الوطني لابد من أن يسعى جاهداً لإيجاد معادلة وطنية تحقق التعايش الديمقراطي ولابد من أن تعبّر كل قياداته المنتخبة على كل المستويات، التي حققت الفوز، لابد من أن تعبّر عن المصلحة الوطنية العليا وعلى النأي عن الخوض في الصراعات الحزبية والجهوية، حتى تكون المشاركة التعددية المقبلة مختبراً لبروز القيادات بحثاً في ذلك وراء القدوة الحسنة وبحثاً عن القيادات التي تعبّر قيم الاهتداء والمسؤولية. فالقدوة الراشدة دخل التعددية الحزبية هي مطلوبات الوزارة القادمة تجسيداً في ذلك لقومية الاختصاص السياسي حتى ندفع جميعاً باتجاه المشروع القومي الوطني. ولئن كانت التجربة قد أسّست لهذا المعنى في مرحلة ما قبل الانتخابات في أنموذج حكومة الوحدة الوطنية والتنازلات العديدة التي صاحبت اتفاق السلام الشامل والاتفاقيات اللاحقة، إلا أن الأمر هنا يبدو مختلفاً؛ فالذين مطلوب منهم التنازل لإفساح المجال للبُعد الوطني هم أنفسهم الذين حازوا على الغَلَبة، وهنا يكمن التحدي. وبالتالي فإن من اختارهم الشعب من قوى المؤتمر الوطني معنيون بأن يفسحوا المجال لآخرين من مكونات الخريطة السياسية وفاءً لهذا البُعد الوطني. ولئن ضاقت عن الآخرين المقاعد البرلمانية نأمل ونرجو أن تكون المحاصصة الوزارية أوسع لهم.