في عهد الحرية والديمقراطية «غير الشفافة» لابد لنا من مواجهة الانقاذ وحزبها الحاكم، بحقائق الأمور كما يراها الناس ويعايشونها ساعة بساعة، ويوماً بيوم، مستأنسين في ذلك بقول سيدنا عمر بن الخطاب «لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها». فالدين النصيحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين وكما قال رسولنا الكريم. والانقاذ التي تفتخر وتفاخر بأنها استطاعت القضاء على صفوف الخبز والسكر والدقيق والبنزين وانشاء السدود والجسور والطرق، تجاهلت عن عمد وقصد ومع سبق الإصرار والترصد أنها هي التي حولت أكثر من 90% من أبناء الشعب السوداني الى فقراء معدمين يعيشون تحت خط الفقر وأن السودان في عهدها أصبح واحداً من بين خمس دول في العالم هي الأكثر فساداً، وذلك وفقاً للتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية المتخصصة! والفقر الذي يعاني منه شعبنا الكريم هو فقر مقصود ومتعمد ولم يأت صدفة أو بسبب الجفاف والتصحر ولكنه فقر أسهمت فيه الحروب التي تفاقمت في الجنوب واندلعت في الشرق والغرب وهو فقر أسهم فيه النهج الممعن في الرأسمالية الذي انتهجته الانقاذ وحزبها الحاكم لادارة الاقتصاد السوداني ولجوؤها للتخلص من كل مؤسسات الدولة والقطاع العام وتحويلها الى مؤسسات وشركات خاصة لصالح قلة من الأتباع والمؤيدين وأسهم فيه تطبيقها لسياسات الفصل من الخدمة والإحالة للصالح العام وسياسات الخصخصة وتحرير أسعار السلع الاساسية المرتبطة بحياة الناس دون تحرير أجور العاملين المتدنية والتي لا تفي بأبسط تكاليف المعيشة من المأكل والمشرب والملبس والتعليم والعلاج والترحيل وغير ذلك من احتياجات الانسان العادي! ومن أجل تطبيق شعار عدم مركزية الحكم وتقصير الظل الاداري وتوفير وظائف وامتيازات للأنصار والمؤيدين عملت الانقاذ وحزبها الحاكم على تضخيم أجهزة الحكم بصورة فيها الكثير من المبالغة وعدم الواقعية، فأصبحت هناك جيوش جرارة من النواب والمستشارين والموظفين ولكل راتبه ومخصصاته وامتيازاته بما لا يتخيله أحد! والسؤال الذي يفرض نفسه هو ما هي التكلفة الاجمالية لإدارة جهاز الحكم المتضخم في العام؟ ومن أين يتم توفير الأموال التي تحتاجها الدولة؟ ثم ماذا بقي بعد ذلك للصرف على خدمات التعليم والعلاج ودعم السلع الاساسية للمواطن؟ وماذا بقي من ميزانية وأموال للصرف على التنمية والمحافظة على القدرات الانتاجية وتطويرها بالنسبة للمشروعات القائمة؟ وهل يعقل في نظام حكم يطلق على نفسه «حكم إسلامي» أن ينفق كل هذه الأموال على ادارة الحكم في البلاد ويترك الشعب يتضور جوعاً، ويعاني من ويلات الجوع والمسغبة بصورة أدت الى تدني أخلاقيات الشعب برحيل العدد المهول من الأبناء غير الشرعيين كما شاهدنا وعايشنا في قضية دار رعاية الطفول بالمايقوما؟! ونحن كمسلمين فقد تابعنا وطالعنا تجربة الدولة الاسلامية الراشدة التي أثبتت عظمتها وروعتها في عهد الخلفاء الراشدين الخمسة وعضهم بالنواجز على المال العام والمحافظة عليه من العبث والهدر والضياع بل تحديد راتب ومخصصات الخليفة! فعندما تمت مبايعة سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة بعد انتقال الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى شوهد الخليفة في اليوم التالي لاستخلافه يخرج من داره حاملاً على كتفيه لفافة كبيرة من الثياب وفي الطريق لقيه سيدنا عمر بن الخطاب وسيدنا أبوعبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهما فسألاه: الى أين يا خليفة رسول الله؟ فيجيبهما الصديق.. الى السوق!! فيقول عمر: وماذا تصنع بالسوق وقد وليت أمر المسلمين؟ فيجيبه قائلاً: ومن أين أطعم عيالي؟ قال له عمر: انطلق معنا إلى مسجد رسول الله نفرض لك شيئاً من بيت المال! وفي المسجد النبوي الشريف نودي على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتم فرض معاش للخليفة! فرضوا له كفافاً بعض شاة في اليوم ومئتين وخمسين ديناراً في العام ثم زيدت الى ثلاثمائة دينار في العام. ويا له من أمر عجيب.. خليفة رسول الله الذي فتح الله في عهده للمسلمين أبواب الرزق والرغد وبدأت خيرات الشام والعراق تصل الى المدينة يعيش على بعض شاة وأقل من دينار في اليوم، وهو الذي يقوم بإطعام عياله، فأين وجه المقارنة بين حكم وحكم؟ ودعونا نواصل السيرة والمسيرة مع الصديق لنرى العجب العجاب ولنقف معاً في وصيته الخالدة وهو على فراش الموت لابنته عائشة رضي الله عنها. دعا الخليفة الراشد اليه ابنته السيدة عائشة عليهما رضوان الله تعالى وقال لها: «انظري في مالي بعد أن أصبحت خليفة لرسول الله فما زاد فرديه على بيت مال المسلمين». وبعد أن فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها ولحق بصاحبه صلى الله عليه وسلم تزفه ملائكة الرحمن قامت السيدة عائشة بتنفيذ وصية الخليفة فماذا وجدت؟ لم تجد غير بعير يستسقى عليه الماء ومحلب يحلب عليه اللبن وعباءة يقابل بها الوفود!! ثلاثة أشياء هي ميراث أبي بكر الذي أنفق كل ماله لنصرة الإسلام ودين الحق.. بعير ومحلب وعباءة ولا شيء غير ذلك من حطام الدنيا. ودعونا نعيش مع مشاعر الخليفة الجديد سيدنا عمر بن الخطاب لحظة التسليم والتسلم!! ما كاد ابن الخطاب يرى تركة الخليفة الراحل حتى انفجر باكياً وهو يردد «لقد أتعبت من جاء بعدك يا أبابكر». نعم فقد أتعبت من بات بعدك يا أبوبكر! ولأهل المشروع الحضاري وحزبهم الحاكم نقول متساءلين.. أليس الاسلام هو الاسلام والقرآن الكريم هو القرآن الكريم الذي حفظه الله من التغيير والتبديل؟ أليس كل الحكام المسلمين من لدن سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه وحتى اليوم سيتحاكمون بما جاء في هذا الكتاب الكريم والذكر الحكيم؟ ألم يبك وينتحب أعدل حكام الأرض على الإطلاق، أمير المؤمنين العادل الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يردد والعَبرة تخنق صوته «ليت أمَّ عمرٍ لم تلد عمر». ألم يقل عبارته الخالدة «لو أن بغلة عثرت لحسبت أن الله سائلني عنها لمَ لم أسوِّ لها الطريق». ولأهل المشروع الحضاري نقول حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وأنصفوا كل مظلوم وردوا الحقوق لأهلها وغيروا من طريقة حكمكم التي ألحقت أبلغ الأضرار بالبلاد والعباد. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.