في الوردية المسائية بمصنع محلي لإنتاج السجائر في «اكسونفيل» بولاية فلوريدا الأمريكية، يكدح «جون كواي» من أجل الحصول على المال اللازم لإنجاز حلمه، وبعد قسط قليل من الراحة يعكف في الصباح الباكر على مراجعة دروس الكيمياء والفيزياء التي يتلقاها بجامعة «فلوريدا» الشمالية كأحد (البرالمة) هناك، قبل أن يتوجه نحو قاعات الدراسة، واضعاً نصب عينيه هدفه الأسمى «نيل ما يصبو له من تفوق أكاديمي في مجال دراساته بكلية الطب». «جون كواي» الذي سافر إلى الولاياتالمتحدة في العام 2001 يمتاز بالهدوء، تشوب صوته نبرات خافتة ولكنة ثقيلة.. أصلع مع شارب رفيع، تزين جدران غرفة نومه عدد من الصور والشهادات التي توثق لإنجازاته في مضمار التعليم.. غاية طموحه الآن التخرج ونيل شهادة الطب حتى يتمكن من رد الجميل للأرض التي تركها وراءه في جنوب السودان. في عام 1987، عندما كان في الثامنة من عمره، قُتل والده جراء الحرب الأهلية ولم تكبح جماحها سوى اتفاقية السلام الشامل بنيفاشا، يتذكر جون هروبه من ويلات الحرب: «سافرنا برفقة صحابنا لعدة أشهر، الفاقة والجوع كانا يظللان مشوار هربنا، وكذا المرض، هذا بخلاف الحيوانات البرية.. الواقع أنه اذا لم يكن لديها صديق حميم للوقوف بجوارك أوان مرضك أثناء الرحلة، فإنهم سيتركونك على جانب الطريق.. كنا بلا شك في خضم مأساة كبيرة»!. جون بمعية من تبقى حيّاً من رفاقه الأطفال وصلوا للأراضي الأثيوبية، حيث مكثوا هناك لمدة أربع سنوات، توفي خلالها عدد آخر منهم جراء أوبئة مثل الكوليرا والملاريا والإسهالات، في أعقاب ذلك اندلعت الحرب الأهلية في إثيوبيا، وكأن لعنة الحروب تطارده أينما استقر!، اضطر جون للهرب مرة أخرى قافلاً إلى بلاده في العام 1991، وكانت رحلة العودة أكثر مأساوية.. اضطر عبرها للسباحة في نهر (جيلو). يقول كواي: «بعد عبوري وعندما نظرت إلى الوراء، رأيت العديد من الأطفال يبكون ويلوحون طلبا للمساعدة، رأيت أنه من الجبن ألا أعود وأساعد بالقيام بأي شيء مفيد»، حتى الآن مازال كواي يتساءل: «لماذا أنا حي»؟، الإجابة بلسان جون: «ربما كنت أعيش لأقول هذه القصة للعالم»!. ثم وجد جون طريقه الى أحد معسكرات اللاجئين في كينيا.. ما يسمى بمعسكر (كاكوما) ومنه إلى أمريكا. «دوماً كنت آمل بغدٍ مشرق.. وهذا ما منحني إياه ربي.. جذوة الأمل بداخلي التي لم تنطفئ».