{ العلاقة بين السلطة والصحافة هي دائماً مثل التفاعل الكيميائي الذي ينتج درجة حرارة عالية، وفي كثير من الأحيان تكون هذه الحرارة العالية حارقة للدولة في المجتمعات الحرة، ولكنها في المجتمعات في دول العالم الثالث غالباً ما تحرق الصحافة، فالسلطة القابضة أول ما تقبض عليه هو حرية التعبير، والدولة المتماسكة القوية أول ما تفتحه من مجالات لإثراء العلائق في إدارة الشأن العام هي حرية التعبير. { ولكن عندما تكون هذه العلاقة منظمة من خلال قوانين وتشريعات يكون الفهم متبايناً بين الدولة والصحافة، فربما تفهمها الصحافة بإطلاق وتفهمها الدولة بقيود وهنا تحدث الاحتكاكات ومن ثم تأتي الإشكالات بين الدولة والصحافة. { فهناك قدر من الحرية ليست هي في حد المنتهى بالنسبة للصحافة وليست هي في الحد الذي تتدخل الدولة فيه في كل حين، ولذلك فهذه العلاقة ليست هي علاقة عدائية بل هي علاقة تكاملية في الأدوار ولكن لكل جهة أدواتها وأساليبها في إدارة هذه العلاقة، لذلك فإذا اعتقدت الدولة وفهمت أن كل ما تفعله الصحافة من تناول حاد للقضايا أنه مستهدفها في بنيتها كدولة يكون أمرها خطأ، وكلما أقدمت الدولة على تحجيم الصحافة من ممارسة دورها تكون الدولة قد مارست الإقصاء تماماً كالإقصاء السياسي الذي يمكن أن يمارس ضد الأفراد وضد القوى السياسية والأحزاب. { لذلك فإن هذه الصحافة هي مؤسسة يجب ألاّ تحكمها اعتبارات الرأي الخاص أو المزاج ولكن يجب أن تحكمها اعتبارات المطلوبات الفعلية منها، فما تقوم به من أدوار يطلبها منها المجتمع ليس الإثارة ولا التشهير ولا الاستهداف، وفي المقابل يجب ألاّ يفهم من يقومون على الأمر أن الصحافة تستهدفهم للإقصاء أو الإبعاد أو الإطاحة. { عليه، فإدارة هذه العملية يجب أن تقوم على مقتضيات الهم الوطني الذي لا يمكن إدارته باللوائح والقوانين والنظم فقط؛ فالفهم المشترك لهذه الأدوار هو الذي يرسم شكل العلاقة بين الدولة والصحافة، فهي علاقة فكر وعلاقة فهم وهم وطني مشترك. { فيجب أن يقود مجلس الصحافة والمطبوعات القضية في هذا الاتجاه بأن يرسم ملامح الدور الوطني للصحافة ولحركة الدولة والمجتمع في الاتجاه الذي يدفع بنهضة الأمة، ويجب أن تكون هناك مسارات تكون نقطة الالتقاء بينها هي الهم الوطني. { ولذلك يقع على المجلس دور كبير في قيادة رأي عام يستوعب تلك المسارات بما يتيح للصحافة أن تمارس دورها دون أن يكون هناك تضاد بينها والدولة، ويتيح للدولة أن تأخذ برأي الصحافة في اتجاه الإصلاح وليس في اتجاه الإقصاء أو الإطاحة. { فما بين المهنية وما بين الالتزام الفكري نجد التنازع في المواقف بين المؤسسات، ولذلك لا يكون العطاء في غالب الأحيان متوازناً وبالتالي لابد من بلوغ هذا الاتزان من خلال تصحيح المفاهيم، ليكون هنا دور القانون منظماً لهذه العلاقات وليس مرجِّحاً لكفة على أخرى. { وبالتالي يكون دور المؤسسات مثل اتحاد الصحفيين أو مجلس الصحافة أو الدولة أو الأجهزة العدلية، كله مكمِّلاً لإدارة الشأن العام في الاتجاه الذي يحقق تطلعات المواطن ونهضة الأمة والرضاء القبول. { فالدولة المثالية نصنعها جميعاً ونحملها جميعاً إلى الآفاق الأرحب ولا نقول إننا قد بلغنا هذه الدولة الحالمة الآن أو قد نبلغها في الغد. { إذن في الطريق إليها علينا أن نصبر على بعضنا البعض وألاّ نستعجل الأمور فالمشوار طويل وكفانا فرقةً وشتاتاً، فالاسترشاد والاستوثاق والتمهُّل مطلوب ونحن مازلنا في بدايات التحوُّل الديمقراطي. { وحتى لا نبعد كثيراً عن الموضوع هي رسالة فقط نبعثها لكل القائمين على الأمر أن تَحلُّوا بالصبر قليلاً والرَوِيَّة قبل إصدار الأحكام إعلاءً لمفاهيم النصح والإرشاد وسلكاً لطريق الأمر بالمعروف لا العقاب والتشديد وحرمان القراء. { ونقولها هنا بلا رياء ولا تزيين لوجه: إن «الأهرام اليوم» وُلدت وستظل صومعة صحفية وطنية عملاقة تزخر بالكفاءات التي أسهمت في إنجاح العديد من الصحف السودانية، وأن من ناطحها مهنياً، في معترك أو غير معترك، يناطح صخرةً من النجاح. مزمل عبد الغفار